الشاعر سعدي يوسف في تجلّياته على أبواب غرناطة
د.رحيم هادي الشمخي:
تفصح قصيدة الشاعر العراقي سعدي يوسف عبر دواوينه المتتابعة عن درجة أبعد عمقاً وتجاوزاً، من شعر موجة الرواد الأوائل الذين سبقوه إلى موضع الصدارة في ديوان الشعر العراقي الجديد (نازك الملائكة، والسياب، والبياتي، والحيدري)، فقصيدة (سعدي) تتوهج بمزيد من الأحكام والنقاء، والانشغال الدائم بفنيتها، وجعلها ذات حضور دائم، والنفاذ الأعمق إلى الوجدان، فالشعرية في كل ما يقول هي همه الأساس ومعاودة النظر فيما حققته هذه الشعرية من لوحات وصور ورؤى نادرة، هي ما يضمن له باستمرار اقتحاماً لفضاءات لا حدود لها، وإرهاصاً بجديد يوشك أن يتخلّق ويتشكّل.
ولأن الغربة هي لحن (سعدي يوسف) الأساسي، فقد نجح في أن يعزف عليه تنويعات شتى من أنغام الاغتراب والاستلاب والحلول في المكان، والانسلاخ من الزمان، واستدعاء جذوة (التراث) الكامنة تحت الرماد، وإيقاظ الحس العصري بشجاعة صامدة من الدلالات التي فجرتها قصائده المنمقة كالنهر الهادر، تجرف في طريقها كل شيء، ويحمل سطحه كل ما حملته ذاكرته، وهو يمعن في اختراق الجغرافيا والتاريخ معاً، عندئذ يصبح الكون الشعري صغيراً في قبضة اليد، وتنهار الحدود والمسافات بين العراق والأندلس، تحت سنابك حصان الشعر الجامح.. ترى أيهما الحصان الحقيقي، الشاعر أم قصيدته؟ وأيهما الفارس الحقيقي، الشاعر أم جواده؟.
وفي قصيدة على أبواب غرناطة يقول:
جوادي على الوادي الكبير ورايتي
بغرناطة الأبراج يكنزها الصخر
فلا تسألوا عنها وعني فإننا
لها آخر العشاق والهاتف السر
لقد كان لي فيها أنيس وإن لي
أنيساً بها حتى لو اجتاحها العصر
وغيب ما بين القلاع وسهلها
كتائبها العشرون والسامر البدر.