خالد أبو خالد.. رحلة قصيرة في التجربة الإبداعية والإنسانية

تشرين – رفاه حبيب:
“حلم العودة الذي لم يكتمل،
والجرح الفلسطيني النازف..
أنا فارس الحلم النبيل على شبابيك البيوت،
سأعودُ في نارنجة حلمت طويلاً بالجليل”..
هكذا عرّفَ عن نفسه يوماً خالد أبو خالد.. هو الشاعر والفنان التشكيلي والصحفي والمناضل الفلسطيني الراحل، الذي ولد في قرية سيلة الضهر قضاء جنين عام 1937 في أسرة مناضلة ومكافحة.
كانت ولادته في بيت جذوره كنعانية أصيلة، في فلسطين التي انتمى إليها وانتمت إليه.. بدأ الدراسة في (الكُتّاب) عند جده، ثم في مدرسة قريته، كما التحق بكلية النجاح الوطنية في نابلس، وبعدها انقطع عن الدراسة وتنقل بين عمان وسورية والكويت، حيث واصل دراسته في الكويت وحصل على شهادة الثقافة العامة من ثانوية الشويخ.
عمل الراحل في عدة مجالات منها سائق في شركة نفط الكويت، ثم في الإذاعة الكويتية وتلفزيون الكويت، وفي سورية عمل في الإذاعة السورية وكان له برنامج يذاع كل يوم خميس على إذاعة دمشق.. هو برنامج (عالم الأدب) كان لي شرف مراسلته أنا ومجموعة من الأدباء الشباب آنذاك.
بقي البرنامج يُذاع لسنوات طويلة وقد كان الداعم الحقيقي للكثير من الأدباء الشباب ولم يبخل يوماً بالنصيحة الأدبية على أحد.. كنّا نستشيره في الكثير من قضايا الأدب، وكان يقدم المعلومة بكل محبة ورحابة صدر، فكان الإنسان المُحِب للجميع، صاحب القلب الكبير المثقل بهموم وطن بأكمله.
التحق أبو خالد بعد ذلك بالثورة الفلسطينية فدائياً، وتدرج في مواقعها إلى أن صار قائداً للقطاع الأوسط والشمالي.. تلقى تدريبات عسكرية في فييتنام مع ناجي العلي وآخرين، وقابل المناضل الكوبي جيفارا في مصر مع وفدٍ حكومي.. كما عمل أيضاً أميناً عاماً لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في سورية.. وعضو اتحاد الصحفيين العرب، وعضو الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين.
بدأ حياته الأدبية في المسرح، فقد كتب مسرحية بعنوان (فتحي) عام 1969، لكنّ تلك المسرحية ظُلِمَت ولم تأخذ حقها من الضوء.. كما عُرِضَ عليه التمثيل في القاهرة، لكنه اختار طريق المقاومة والنضال، إلى جانب الشعر ..
عشقه لدمشق
خالد أبو خالد عاش ومات في دمشق، التي رفض مغادرتها وهي مكلومة، كما أبى أن يتخلى عنها وهي تنزف، فقد كان حب دمشق يسري في عروقه كما حب فلسطين.. كتب عن الشام مالا يكتبه إلّا الأوفياء لبردى والياسمين الدمشقي، حيث قال فيها:
“أحبُّ الشآم التي أيقظتني مآذنها
أرجحتني أجراسها
شكلتني في ضوئها
من غفوتُ على حضنها كالقطا
فاشترتني بأحلامها
وصحوتُ على موطني.. موطني.. موطني
يا نشيد فلسطين تحت قباب الشآم..
حماة الديار عليكم سلام”.
ابتعد الشاعر عن الأضواء وعاش حياة عادية مع أهل المخيمات والفدائيين، فهو منذ استشهاد والده القائد القسامي وهو في سنواته الأولى، بدأت والدته تعده ليكون مدافعاً عن فلسطين، كذلك أعدّه جده ليكون شاعراً يحمل همّ المقاومة.. لذلك نرى قصائده مملوءة بالذكريات والوجع.
كتاباته
كتب نحو عشرين قصيدة لحَّنَتها وغنَّتها فرقة الجذور منها: (يا رامي الحجارة) و(يا صبايا زغردن) و(زغردي يا أم الجدايل) و(سبل عيونه). وله أيضاً العوديسيا الفلسطينية (الأعمال الشعرية) التي صدرت عن بيت الشعر العام في فلسطين لأول مرة في عام 2008.

من كتاباته أيضاً:
“وحدي وأنت على ذراعي في الأبد
كل البلاد لنا.. وليس لنا سند
صوتي المعلق في الظمأ
صوت الصبية والولد
أحدٌ.. أحد
أحدٌ.. أحد.
هذا أوان تفتح الجرح المفخخ في الجسد”.
إنه الشاعر المحارب الذي حارب بالقلم والبندقية والريشة أيضاً. فقد عشق الرسم وله عدة لوحات رائعة تحاكي الوجع الفلسطيني وحلم العودة.. تقول ابنته الدكتورة بيسان أبو خالد عن والدها الشاعر الراحل:
“عانى والدي من الهجرة، كواحد من أولئك الذين كتبوا شعر المقاومة أمثال؛ محمود درويش وسميح القاسم والشهيد الرسام ناجي العلي والشهيد غسان كنفاني.
وحزني عليه هو حزن موضوعي وليس شخصياً فقط، حزن على عمالقة جسّدوا بكلماتهم أكبر مقاومة.
وهو الكاتب الوحيد الذي سمّى الأعمال الشعرية الكاملة بـ(الأفعال الشعرية) إنها مزاوجة بين الأدب والنضال، وكتوازٍ بين الكاتب والمحارب. وله جدارية معلقة على جدار مخيم جنين قال فيها:
“من أين أبدأ..؟
كلما خضّبتُ لوحاتي يصادرني البياض
أو كلما حفرت مُعلقتي على الأرض الأخيرة
غرّبتني خمرة البحر عن البحر
إلى ليل طويل”..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار