على «رغيفٍ أخضر» تخطّ الرباب محمد نصوصَها الشعريّة
تشرين-رفاه حبيب:
(خبزٌ أخضر) تحت هذا العنوان اللافت، جمعت الكاتبة الرباب محمد نصوصها النثرية، وهي من نوع قصيدة النثر مقتحمة عالم الأدب في مجموعتها الأولى، باحثةً لها عن مكان بين صُنّاع الكلمة وطارقي الحرف.. وهنا ربما يتساءل البعض عن سبب اختيار الكاتبة هذا العنوان، فذلك لأنّ:
«الكلام خبزُ الفقراء،
الخبز لا يدخل في الحظ،
يدخل جوف طفل جائع،
يبتلعه الكبار،
يحلم به الجياع
وعلى صهوة الخيل يأتي خبز الشعراء.»
فبعناوين متنوعة ما بين: «صحوة، خرافة، عبور، خوف، هروب، ومشاكسة..» وأخرى تجذبك لتدخل هذا العالم الجميل الذي يسكن قلب الرباب.. ذلك ما تسرده في همسها للوردة عندما تقول لها:
«لا أستطيع الاعتناء بك؛
في داخلي الكثير من الحطام،
يكفي ليجرحك مهما كنتَ صلباَ..»
إذ تُشعِرنا بكمية الألم الذي يسكن قلبها، والجراح المتربصة بها أينما ذهبت، كلُّ ذلك بكلماتٍ سلسة بسيطة ومفردات لغوية سهلة أوصلت لنا الفكرة المرجوة، وعشنا معها هذا الوجع.. وفي استحضار آخر تجعلنا الرباب محمد نعيش معها تفاصيل روايات قرأتها وتركت آثارها في زوايا نفسها التواقة للحب كرواية «العطر» للكاتب الألماني «باتريك زوسكند» و«الخيميائي» لـ«باولو كويلو» ورواية «ألف شمس مشرقة» لـ«خالد الحسيني».. إذ تصف الأحداث برهافة إحساسها، وعمق تشبعها بالتفاصيل، ففي نصها «هوس» ذلك العالم الروائي الذي قاربته شعرياً، أو ربما ماهت بين تلك الحالة الجمعية لقراء تلك الروايات العالمية، وحالتها الخاصة، لكون القصيدة تميل إلى الذاتية والهمّ الشخصي:
«كنتُ أتذوّقُ طعم القبل وأنا
أفكر بعطر «زوسكند»..
تذوقتُ طعوم الغبار
والشعر الشائب والأسود،
والدخان القديم الجديد،
و الشامبو الرديء
وبقايا العطر الفاخر
في الزجاجة العتيقة..
قبالته وقفتُ وفي
ذاكرتي «الخيميائي»
و«إحدى عشرة دقيقة»
أدور عكس عقارب الساعة،
عكس نفسي
لم تكن «ألف شمس خالد الحسيني»
كافية لمنعي من البكاء
البكاء على شيء لا أعرفه
لكنني أحسّهُ كشمس «كابول»
رغم ألف خمار يحجبُ
وجهك وعينيك..»
ثم لتعود الكاتبة في قصيدة « عبور» إلى الشكوى من جراح الياسمين، وعبورها في هذا الزمن البائس المسكون ببكاء أرواح تعانق الوجع في:
«في هذا الممر
المُشَجّر بالياسمين
أعبرُ
يغمرني صوتُ الماء والضوء
يجرحني صوتُ بكاء
خلفي أحدٌ يبكي
يقول إنه
لايستطيع العبور
مخافة أن تجرحه
أشواك الياسمين.»
وفي محاكاة رائعة للخيال وتمازج فني شائق ما بين الحقيقة والحلم وتحت عنوان «تقمص» تسير بنا الرباب نحو عالم من دهشةٍ :
«تعبتُ من الوجود
تعبتُ من كوني أنا
رأيتك اليوم في المرآة
كنتِ تشبهينني كثيراً
كم أنت جميلة
وشوشتِني
حان الوقت
لقد كبرنا
أمسكتِ بيدي
دخلنا الفقاعة
ركبنا ذات الحصان الجميل
وغبنا في الحكاية..»
هذه الرباب مسكونةٌ بوجع خفي، مزنّرة بشغف الحياة رغم قلة فرص الأمل فيها، فالخوف من الآتي والبحث الدائم عن شاطئ أمان ينهي هواجس روحها التعبة، هو الهمّ الدائم والواضح في كل نص من نصوصها..وأخيراً أحببت أن أختم معكم هذه القراءة المختصرة بنص رائع يحمل عنوان «أحمر شفاهٍ وحرب» تقول فيه الرباب :
«حضَّرتُ كلّ شيء للقائنا
إلّا قلبي
فقد نسيته هناك في
العلبة البلاستيكية القديمة
التي أودعت فيها أمي ربطات شعرها..»