حارثاً في الأرض القديمة.. ناظم مهنّا كحارس في مملكة التلال

تشرين- علي الرّاعي:
ذات يوم حضّ الأديب ناظم مهنا كتّاب القصة القصيرة على أن يصمدوا في معركة التجاهل، التي يخوضها هذا الجنس الإبداعي، ومن ثمّ حيّا كلا من بورخيس، وزكريا تامر، وسعيد حورانية، وكلَّ قاص صمد في هذا الميدان.. ربما لأن “القصة القصيرة، لا تعدو أن تكون أكثر من عملية حسابية بسيطة، ولكنها ليست عملية أرقام بالطبع، وإنما هي مكونة على أساس جمع وطرح عناصر: الحب، الحقد، الأمل، الشهوة، الشرف، وعناصر أخرى من هذا النوع، وأن عمليات الجمع تؤدي عادةً إلى نهايات سعيدة، أما حصيلة عمليات الطرح بالمقابل، فتكون عادةً ذات نهايات مأساوية”.
جمع وطرح
لا أدري لماذا لاحقتني هذه الفكرة ل”فوستر هاريس” طوال الوقت، وأنا أتابع تجربة القاص ناظم مهنا، الذي اكتفى بهذا “الفن المرذول، والمغتاظ، وحتى المخذول من أهله” لفترة طويلة، وكنتُ أظنه سيكرُسُ ثباته على (إخلاصه) لفن القصة وحسب، غير أنه لم يلبس طويلاً حتى انضمَ لنسق (القاعدة)، بإصداره مجموعة شعرية، وإن كانت في تفاصيلها فيها الكثير من روح الحكاية، ومن سرديات القصة.. فهل نفسر “صمود” بعض الكتّاب في الكتابة بهذا الجنس الأدبي – القصة-، هو ولعهم بعملية الحساب السابقة الذكر، التي ربما هي أيضاً كانت السبب في “تطفيش” الآخرين الذين لم يستطيعوا المضي بكتابة القصة، إذ سرعان ما هجروها إلى جنسٍ أدبيٍّ آخر؟!
الأرض القديمة
وعلى ذكر الأديب ناظم مهنّا؛ لابد لمتابع قصته، أن يجد ثمة مستويات، تلك التي أعطت لصاحب “مملكة التلال” فرادتها قي القص السوري، وربما في العالم العربي، لعلَّ أهمها نفخ الروح في “الأرض القديمة” من زمان، وأمكنة ومثيولوجيا، لكنها المفتوحة على التأويل، وعلى التأويل الحاضر بالدرجة الأولى، بما يشبه متاهة بورخسية – حسب وصف النقاد لها – لكنها سورية المنشأ، هذا المستوى المثقل بالمثيولوجيا له انعكاس تخفيفي، أو مخفف، هو التصعيد الروحاني في الأمكنة التي أعتبرها أكثر الأماكن – ربما – قرباً من الله، وأقصد بذلك أعالي الريف السوري، حيث المدى المفتوح للتواصل مع الكائن الأعلى والكلي القدرة.
حُراس العالم
يجمع صاحب “حراس العالم” هذه المستويات في مغامرة قصصية، من دون أن يخشى “المتاهة” أو قل الدخول فيها، ثمّ ليفاجئنا خلال القراءة بتلك اللغة القصصية المتأججة، التي تُقنعنا باستقرار مهنا في مجال القصة القصيرة لمدى بدا طويلاً، قياساً بالانتقال السريع لبعض زملائه في هجر القصة إلى سواها من أجناس إبداعية، وهو الذي يخوض غمارها من خلفية شعرية تشبه القداسة، أو ترفع بالشعر لهذه المرتبة.. هذه الشعرية التي ستكون أجمل مستويات قصة “صاحب منازل صفراء ضاحكة”، تلك الشعرية التي لم تنعطف بالقصة إلى القصيدة، وإنما تلك التي بنت السرد القصصي لديه بالمداميك الشعرية التي تزدحم بالفلسفة، ربما كمجالٍ حيوي يربط مستويات القصة في لبوسٍ جمالي من دون أن يسقط كلَّ ذلك، أو ينطلق بكل ذلك من معادلٍ واقعي، هو الباعث الأشد لكل هذه الكتابة.. وربما أن هذه الشعرية الحارة في القصة كانت الباعث لاستخلاصها صافية وتدوينها في مجموعة شعرية، تماماً كمن يُقطّر النبيذ من العنب، أو العطر من الزهر.
مستويات من التراجيديا
رصد مهنا عشرات الشخصيات القصصية، تجمع بينها تلك الحالة المنودرامية المرتبكة – لكنها ليست المريضة- وإنما تلك الشخصية التي تلاقي الويلات في علاقاتها مع محيطها، تلك الشخصية المفعمة بالتراجيديا، التي تصلُ من شدتها إلى مستوى الكوميديا على مبدأ “شرُّ البلية ما يضحك”، وهذا مستوى آخر في قصة مهنا، وأقصد مستوى التهكم، أو السخرية.. فقط أتساءل كيف لم يحسب حساباً لتلك الشخصية العاشقة، أو على الأقل قدمها بشكلٍ موارب؟!
قصص كان فيها بورخيس حاضرا دائماً في ذهنه، حتى لو لم يكن للقصة المكتوبة فيها أي طيف لبورخيس، وكأنه يقول لنفسه: هل ترضي هذه الطريقة صاحبنا الأعمى؟!.
أخيراً كل ما نخشاه على قصة ناظم مهنا، أن يكتب بعد قليلٍ من الوقت رواية، نحن الذين تابعنا قصصه مع الصامدين في تقديم قص متفرد من دون أن يكترثوا بالخسارة، وذلك ما فعله القاص عبد الله عبد ذات خروج عن القصة إلى رواية وحيدة لم تحقق مجداً يُذكر، وغيره كان ثمة كثيرون!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب أسعار الخضار تحلّق في اللاذقية.. ومواطنون يطالبون بعودة الأسواق الشعبية