تحوّلات الجسد
ظهرٌ منحنٍ، عنقٌ عريض، يدٌ مُقوّسة على شكل مخالب، جماجم أكثر سُمكًا؛ هذا ما ستؤول إليه أشكال البشر عام 3000 م، حسب دراسةٍ أجرتها شركة “Toll Free Forwarding”، عرضت فيها نموذجاً لإنسانٍ مُستقبلي تغيّر شكل جسده بسبب الاستخدام المفرط للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها من التقنيات، وفي التفاصيل وجدت الدراسة أيضاً أن البشر قد يكون لديهم جفون داخلية أكبر لمنع التعرض للضوء المفرط، وربما تتطور عدسة العين كلها، غير أن الخطر الأكبر يكمن في تكوين جماجم أكثر سُمكًا، وزيادةً بالتالي في نسبة الغباء.
هذه الدراسة تتقاطع في جزءٍ منها مع تكهناتٍ بأن الأجساد ستصبح أصغر مُستقبلاً، ربما لِتجد لنفسها متسعاً في الازدحام الهائل المُتوقع، ومن يدري ما الذي ستؤول إليه الأمور في أزمنةٍ لاحقة، من المُحتمل أن تتحقق نبوءاتٌ فنيّة، تماماً كما نقلت لنا الرسوم على الصخور، والمنحوتات في المعابد والقلاع، حكاياتٍ عن بشر صيادين وأطباء وسفاحين وراقصين وحدادين، صوّرت أيديهم وأرجلهم وعيونهم، حتى أمكن تخيّل حيواتهم وطبائعهم، وعلى المنوال ذاته سارت فنونٌ مُعاصرة، جعلت الجسد نفسه عجينةً قابلة للمد والطوي والضغط، تخلّت عن فكرة المُمكن والمسموح، باتجاه المُتخيّل والمرغوب، كالطيران والتطاول والتلاشي.
الاشتغال على الجسد، بدأ من الرأس الذي لم يظهر دائماً مُستديراً، حتى أن البعض أخفى معالم الوجه واستغنى عن الرقبة، وفي حالات تصوير الجموع، لم يكن هناك أي ظهورٍ للرؤوس، طالما أن الشكل البشري المُنتصب موجود، ولو على شكل خطٍ مستقيم، وهو ما ينسحب أيضاً على الأيدي والأرجل التي تكاثرت مرات، من دون أن يكون لها عددٌ ثابت، وانمحت في أعمالٍ رأت في الرأس تعويضاً عما سواه، فيما تجاهل فنانون كثر الأصابع والشعر والآذان مثلاً، مُقابل اهتمامٍ أكبر بالعيون والأفواه، غير أن الجسد فنياً ذهب في اتجاهاتٍ أخرى حين تحوّل إلى كائنٍ آخر، روبوت أو حيوان أو كائن أسطوري، وهو ما قدّمته الرسوم والنقوش القديمة بأساليب وطرق مختلفة، كذلك تحوّل الجسد إلى أفكار وكلمات وأحاسيس، لعلّ إحداها تصبح حقيقة يوماً ما، تقولها الدراسات والأبحاث، ويقف فيها العلم والفن سوياً، ليُعلنا بأن الجلد أصبح ريشاً، والأطراف أجنحة، والمسافات البعيدة ليست إلا أوهاماً.