أحاسيسُ الشاعر «رسول حمزاتوف» الملتهبة تملأ روحه وخياله
تشرين- نضال بشارة:
ثمة ما هو مشترك لكنه عصيٌّ على التفسير في آن معاً، بين الشاعر الداغستاني «رسول حمزاتوف» والأدباء من أهل حمص فها هو الأديب المترجم د. مسّوح مسّوح يترجم مختارات من شعره، وكنّا أول ما قرأنا أدب حمزاتوف بترجمة الأديب الراحل عبد المعين الملوحي بالاشتراك مع ابن مدينة يبرود الأديب الراحل يوسف حلاق، لكتاب « داغستان بلدي»، الذي يعدّ أكثر من رواية، وقد مضى على ترجمته أكثر من ربع قرن. أمّا كتاب مسّوح الاختصاصي بالترجمة من الروسية وله فيها ترجمات عدة، بعنوان «رسول حمزاتوف: جولة في حياته ومختارات من شعره» فقد صدر حديثاً في عمّان بإصدار خاص، ومهّد له بدراسة أضاء فيها عوالم شعر حمزاتوف الذي تميل قصائده إلى القِصَر، أي إنه من النوع الذي يُسمى – والكلام للدكتور مسّوح- في شعرنا العربي الحديث « الومضة الشعرية»، وهي قصيدة قصيرة تطرح بأقل عدد من الكلمات فكرة ما، كبيرة أو صغيرة، أو تصور إحساساً أو موقفاً. إنها تقوم على التكثيف وتجنّب الحشوِ، وهي قصائد تعبّر عن قدرته الفائقة في مجال الصنعة الشعرية، بمعنى بناء النص بناءً مكثفاً تتعدد فيه الفِكَرُ والصور بتعدّد المفردات، فهو مثلاً قي قصيدة صغيرة جداً يتحدث عن الإنسان، والريح والعاصفة، والمطر، والحصان الجامح، والكلمة، والقلب، والعقل، فتكاد هذه القطعة الشعرية تشكّل موضوعاً اجتماعياً أدبياً كاملاً، بل تكاد تكون منهجاً حياتياً يوصي الشاعر الإنسان بالأخذ به:
«المطر يفعل ما يشاء
لا تحاول أن تمسّه
الريح تعصف حيثما تريد
كحصانٍ جامحٍ دون لجام
أما أنت أيها الإنسان
فلست ريحاً
ولست مطراً
وكلماتك يجب أن تنبع من القلب
موجّهةً من العقل».
ثنائيات
وتحت عنوان « البعد الفلسفي» أشار د. مسّوح إلى المضامين الفلسفية التي يقاربها شعر حمزاتوف، كثنائية الموت والخلود التي تبدو جلية في قصيدة «مع أنّني لستُ زنبقاً ولستِ ليلكاً»، ففيها يطرح قضية كبيرة، ستظل تشغل الإنسان عبر العصور، وهي قضية الموت، إن الزمن لن يترك المرء سالماً، بل سيجعله يتهرّأ على التدريج، ثم يقضي عليه، يقول مقطعها الأول:
«مع أنّني لستُ زنبقاً
ولستِ ليلكاً
لن يُعارِضَ قطفنا يوماً ما
عاملُ حديقة أبيضُ اسمُه النّهار
أو أسودُ اسمُه الليل»
ويستشهد د. مسّوح بما كتبه الناقد الراحل د. رضوان القضماني عن البعد الفلسفي في شعر «حمزاتوف» ضمن دراسة له جاء فيها «كانت موضوعات المجتمع والفرد، والدولة والإنسان، من الموضوعات الملّحة التي لا تغيب عن ذهن حمزاتوف. ويرى كثير من النقاد والدارسين أن شعر حمزاتوف يشكّل كتاباً كلّياً يجمع بين دفّتيه ثنائيات تكشف جوهر الإنسان: الحكمة والشجاعة، الحب والكراهية، الألم والفرح، الدعاء واللعنات، الراحة والعذاب، الحقيقة والزيف، الآنية والأبدية.. وهي ثنائيات تشير بجلاء إلى أن همّ حمزاتوف الأول كان الكشف عن ماهّية الإنسان وروحه».
إجلال القيم النبيلة
وتحت عنوان «رسول والواقعية الاشتراكية» مضى د.مسّوح يقول : لا يمكن إلاّ أن يتأثر الشعر بالاتجاه الفكري والسياسي للشاعر، ولكن هذا التأثّر لا يكون على حساب المستوى الفني للشعر عند الشاعر الأصيل الموهوب، بل إن شعره يخضع لقوانين الفن أولاً، ويعبّر عن مستوى الشاعر الثقافي ودرجة الرهف وعمق الإحساس عنده، وهذا جوهر العبارة الكثيفة التي قالها حمزاتوف «إن شعري ليس عضواً في الحزب الشيوعي». ولذلك كثيرة قصائد حمزاتوف التي تكشف الزيف والمراوغة والتملق للوصول إلى مراكز الإدارة والمسؤولية على مختلف المستويات، وهي قصائد تدل على جرأة شاعر كتب في ظل نظام شمولي لا مجال فيه لنقد سياسي جريء أو لرأي مخالف لرأي القيادة. وفي النصوص التي يتضمنها هذا الكتاب والتي فاقت الثمانين نصّاً شعرياً نماذج لذلك، منها قصيدة «تصفيق» التي تدين تدجين الناس أن يعبّروا عن تأييدهم بالتصفيق لكل مسؤول يلقي كلمة، أو لكل متحدث يمدح زعيماً:
«صفّقتُ وضربتُ الأرض بقدميّ
مُرغَماً أو بكامل إرادتي لكن حتّى الإشباع
لعلّي أضعتُ كلّ شبابي في التصفيق
أو الجزءَ الأكبر منه».
ورأى د. مسّوح في ختام دراسته أن قصائد الحب عند حمزاتوف تُعدّ لوحات جميلة تنقل إلى القارئ أحاسيس الشاعر الملتهبة الصادقة فتملأ روحه وخياله، وإذا كان مفهوم الحب يظهر في قصائد شاعرنا بمعناه الواسع، فإن حب المرأة هو أبرز جوانبه وأكثرها قرباً من قلب القارئ.. حب الناس، وحب الوطن والأرض والبيت، وإجلال القيم النبيلة والتعلق بها.