أبراج المراقبة تحل المشكلة.. الثروة الحراجية فريسة التعديات الجائرة.. والمطلوب عقوبات صارمة

تشرين – وليد الزعبي:
لا تسرّ أبداً حال معظم المواقع الحراجية في محافظة درعا بعد سنوات الحرب العجاف، التي مرت على بلدنا، حيث طالت تلك المواقع تعديات كثيرة من ضعاف النفوس بقصد التحطيب والمتاجرة , غير آبهين أو مدركين لقيمة هذه الثروة الوطنية في تحسين الواقع البيئي المحيط، وهمهم الوحيد التربّح غير المشروع من قطع الأشجار بطرفة عين, على الرغم من مضي سنوات طويلة على زراعتها وتربيتها ورعايتها، حتى نمت وكبرت وغدت باسقة، تسرّ وتمتع الناظر، وتحدّ من الجفاف والتصحر، وتحافظ على التنوع الحيوي , كما تساهم بالتوازن البيئي.
للأسف أصبحت جرداء
من المؤسف جداً عند المرور بجوار بعض المواقع، التي كانت أشبه بالغابات، ملاحظة أنها أصبحت جرداء إلى حد كبير، والمثال واضح وصارخ عند سد درعا ومحيط بحيرة المزيريب، وكذلك في غابة الأسد في تسيل والغابة الطبيعية في بلدة معرية, ناهيك بقطع الأشجار من معظم حواف الطرق الممتدة بين المدن والبلدات، والأدهى والأمرّ في بعض تلك المواقع الحراجية أن العابثين لم تقتصر تعدياتهم على قطع الأشجار الحراجية، بل نزعوا جذورها «القرامي»، فلو تركوها, وخاصة للأشجار ذات الأوراق العريضة مثل الكينا, لكانت أفرعت من جديد.
تعديات كبيرة
عن واقع التعديات أشار المهندس جميل العبد الله- رئيس دائرة الحراج في مديرية زراعة درعا إلى أن موقع المزيريب، الذي يضم حرم البحيرة المزروع بأشجار الكينا والأكاسيا بمساحة 100 دونم التي تم تحريجها، إضافةً لأشجار الكينا المزروعة سابقاً، خلال عيد الشجرة لعام 2007 بأنواع الصنوبر بروتي والصنوبر الثمري والسرو العمودي والأزدرخت الخيمي والنخيل المروحي، يعد من أهم المناطق السياحية في المحافظة إلا أنه لم يسلم من الضرر, حيث تعرض مؤخراً لتعديات كبيرة بقطع معظم أشجاره الحراجية، وتمت مراسلة الجهات المختصة بذلك مع كتابة الضبوط اللازمة.
وبالنسبة لموقع المنطقة الحرة السورية – الأردنية المشتركة، فهو من المواقع المحرّجة اصطناعياً خلال عامي 2002 – 2003 بأنواع الكينا والصنوبر بأنواعه والبطم والغازورينا بمساحة 2750 دونماً، ومعه موقع حراج سد درعا بمساحة 350 دونماً الذي تم تحريجه منذ مطلع عام 1970 بأنواع الكينا والصنوبر بأنواعه، فقد تعرض الموقعان لتعديات كبيرة تسببت بإزالة قسم كبير من أشجارهما الحراجية، ونظمت الضبوط اللازمة في وقتها بتلك التعديات، علماً أن لدى مديرية زراعة درعا خطة للموسم 2022-2023 تشمل تنفيذ تحريج اصطناعي في موقع سد درعا لإعادة ترميمه.
وذكر رئيس الدائرة أن موقع تل الحارة مكون من قسم شرقي بمساحة 70 هكتاراً، وهو عبارة عن غابة مختلطة من أشجار السرو والصنوبر البروتي والثمري، التي تم تحريجها بدءاً من عام 1968، والقسم الغربي بمساحة 1219 هكتاراً الذي جرى تحريجه بدءاً من عام 1970 بأشجار الكينا والصنوبر، وقد تعرض الموقع بقسميه لتعديات مع بداية الحرب على سورية، لكن خلال السنوات الخمس الأخيرة تم تنفيذ خطة تحريج اصطناعي ضمن هذا الموقع لإعادة ترميمه.
أما موقع غابة الأسد، الواقع في بلدة تسيل والذي تم إنشاء حديقة وطنية فيه عام 2001 بمساحة 200 هكتار، بهدف إعادة التنوع الحيوي، تعرض أيضاً لتعديات قاسية خلال السنوات الفائتة، وتعمل مديرية الزراعة مؤخراً على إعادة تأهيله وزراعته بأنواع السرو والصنوبر، وحال الغابة الطبيعية في بلدة معرية البالغة مساحتها 300 هكتار ليس بالأحسن, إذ طالتها التعديات كذلك منذ بداية الحرب وتراجع الغطاء النباتي فيها بنسبة 75% تقريباً، علماً أن أهم ما تحتويه هو أشجار البلوط.
أقل تضرراً
هناك مواقع ساعدت الظروف في عدم تعرضها لأضرار كبيرة، حيث بيّن العبد الله أن موقع تل الجابية البالغة مساحته الإجمالية 12058 هكتاراً، ويحتوي على أشجار الصنوبر والكينا والأكاسيا والبطم، لا يزال محافظاً على غطائه الحراجي بنسبة 90%، وكذلك موقع عالقين الحراجي بمساحة 550 هكتاراً, وكانت التعديات عليه قليلة جداً، وهو يحتوي على أشجار الصنوبر والكينا والأكاسيا والغازورينا والبطم التي تم البدء بزراعتها في الموقع بدءاً من الموسم 2001-2002، وأثبتت نجاحها بشكل ممتاز، والحال تقاس على موقع عين خنيزيرة البالغة مساحته 700 دونم, حيث إن التعديات عليه قليلة أيضاً.
ونوه العبد الله بناحية إيجابية تتمثل بأن أغلب المواقع الحراجية فيها عدد كبير من أشجار الكينا، وهذه لو تم قطعها فإنها تعود لتنمو من جديد، وهو ما حدث بالفعل في جميع المواقع التي جرى التعدي عليها.
تحرٍّ وضبوط

التحرّي والرصد والمتابعة للتعديات تتم حسب الظروف المتاحة والأماكن التي تقع فيها، وبهذا المنحى ذكر رئيس دائرة الحراج أن متابعة التعديات الحاصلة على المواقع الحراجية تتم من خلال الحرّاس الحراجيين الموزعين في تلك المواقع، وفي حال إبلاغهم بأي حالة تعدّ،ٍ تقوم الضابطة الحراجية بالكشف الحسي على الواقع وبيان الأضرار، ومن ثم تنظيم الضبوط اللازمة ومتابعة هذه الضبوط في المحاكم الخاصة حتى اكتسابها الدرجة القطعية، توازياً مع مراسلة المحافظة بالأضرار الواقعة أولاً بأول للتعميم على الجهات المختصة لمؤازرة عناصر الحراج في قمع التعديات الواقعة وبيان الفاعلين وإحالتهم إلى القضاء. علماً أن هناك تعديات نُظمت فيها ضبوط ضد مجهولين، لكونه لم يتم التعرف على الفاعلين، لأنهم يقومون بالتعدي على المواقع الحراجية ليلاً، مستغلين الظروف السائدة في بعض المناطق.
وخلال العام الجاري قامت الضابطة الحراجية، وفق ما ذكر العبد الله، بتنظيم 38 ضبطاً حراجياً بالتعديات الحاصلة على المواقع الحراجية في مختلف أرجاء المحافظة، وتمثلت تلك التعديات بعمليات قطع الأشجار ونقلها، وقدّر عدد الأشجار المقطوعة والمشوهة بموجب تلك الضبوط بـ345 شجرة، لافتاً إلى أن شعبة الحماية في دائرة الحراج تابعت فصل 11 دعوى حراجية واكتسابها الدرجة القطعية، فيما هناك 24 دعوى منظورة حالياً أمام القضاء.
غراس لسدّ الحاجة
على صعيد تأمين الغراس الحراجية، كشف رئيس دائرة الحراج أنه يتم إنتاجها حالياً في مشتل حراج إزرع، الذي تم إنشاؤه في عام 2018، بعد أن خرج كل من مشتل تل شهاب ومشتل سد إبطع الحراجيين عن الخدمة خلال سنوات الحرب على سورية، وذلك لسدّ حاجة المحافظة من الغراس الحراجية, وفي مقدمتها تنفيذ خطة التحريج الاصطناعي، وحالياً يوجد في المشتل نحو 700 ألف غرسة من أنواع الكينا والسرو والصنوبر والأزدرخت والدفلة واللونغستروم وغيرها، بينما خطة الإنتاج لموسم 2022-2023 تشتمل على إنتاج 25 ألف غرسة من الكينا.
ولجهة آلية التوزيع فإنها تتم بشكل مجاني، حسب قرار وزارة الزراعة، للمقابر والمدارس والمعاهد والجامعات والمواقع العامة، فيما متاح البيع المباشر للمواطنين بسعر التكلفة للتشجيع على ترميم الغطاء النباتي، وقسم من تلك الغراس يستخدم لمصلحة تنفيذ خطة التحريج الاصطناعي.
منغصات.. هل نعالجها؟
هناك بعض المنغصات على صعيد العمل الحراجي، تحتاج إلى النظر في إمكانية وضع الحلول العلاجية لها، حيث أمل رئيس دائرة الحراج بدرعا تعويض النقص الحاصل في الكادر الفني من مهندسين وخفراء حراجيين ومراقبين زراعيين وحراجيين وفنيين وعمال وسائقين، كما أن بعض الآليات من صهاريج وجرارات وسيارات ودراجات نارية بحاجة إلى التنسيق والاستبدال بآليات جديدة وحديثة، لكون المناطق الحراجية وعرة والآليات قديمة، وتكاليف إصلاحها باهظة، وكذلك النظر بزيادة كمية المحروقات للآليات، وزيادة مسافة الآليات العاملة من سيارات حقلية وصهاريج وجرارات ودراجات نارية لتتناسب مع حجم العمل الموكل إليها ومع الخطة الحراجية المطلوب تنفيذها, وبُعد المواقع الحراجية عن مركز الدائرة، وإنشاء مرآب خاص بدائرة الحراج في درعا حتى تتسنّى متابعة عمل الآليات بالشكل المطلوب, وكذلك متابعة المبالغ المصروفة على هذه الآليات وتجهيزها لتنفذ الخطة الموكلة إليها من سقاية غراس وإطفاء حرائق وغيرها بالشكل المناسب، والعمل على توفير بذور بعض الأنواع الحراجية التي لم تتمكن دائرة الحراج من تأمينها نتيجة تعرض الأمات للتعديات الجائرة خلال سنوات الأزمة، وكذلك العمل على إدخال أنواع حراجية جديدة تتناسب مع الظروف الجوية للمحافظة، ومنح رخص رعي مجانية لأصحاب المواشي من أهالي القرى المجاورة للمواقع الحراجية، وتحت إشراف الدائرة للإسهام في ضمان سلامة المواقع من التعديات، وتشكيل فرق إطفاء لتوزيعها على أغلب المواقع ضمن الإمكانيات المتوفرة، وتجهيز الصهاريج بالعِدد والعمال الكافيين، وأيضاً توزيع كميات محددة من أحطاب الوقيد ونواتج المواقع الحراجية على القرى المجاورة بشكل مجاني أو بأسعار رمزية لحماية المواقع من التعديات، وإنشاء أبراج مراقبة ضمن بعض المواقع الحراجية لكونه لا يوجد أي منها في محافظة درعا.
المسؤولية مشتركة
ما يحدث من إهدار للثروة الحراجية ينبغي ألا يستمر، ولا بد من تكاتف جهود جميع الجهات المعنية والمختصة، وتعاون المجتمع المحلي للوقوف في وجه التعديات الجائرة الحاصلة، والحفاظ على الغطاء الحراجي، ومعاودة تنميته لما له من منافع جمّة لكل مكونات البيئة وعلى رأسها الإنسان.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب