نسختان

أصعب أعمال التنسيق والترتيب والتنظيف هو منضدة الكاتب ومكتبة القارئ، إذ لا يلبث هذان المكانان أن يتخذا ملامح تشبه ملامح الوجه كما خلقه الله! تجد المقلمة مكانها، وكذلك الورق الأبيض فالمسوّدات مع المماحي وبضعة كتب منضّدة فوق بعضها لحاجة ما، وقد يرتكن مصباحُ القراءة على اليسار رغم أنه لم يعد يتغذى بالتيار معظمَ الأوقات، لكنَّ الغبارَ الزائر القسري يجب إبعاده بأي وسيلة، هو الذي يعشق الورق والزوايا الهادئة والرفوف الهاجعة، ووقتها ستكون المفاجآت! -هذا الكتاب المقروء ماذا يفعل هنا؟ يجب نقله إلى مكانه الأليف، وحين يؤوب إلى مكانه، سيكون مكرّراً بنسخة أخرى لم تُفتح بعد!
يسرح خيالي عبر عقود من الزمن حيث كنت أتفكّه ببعض مقاطع رواية فذة لكاتب من جورجيا آسيا، وبين الحضور مخرجٌ شهير أُخِذ بإحدى الشخصيات التي أعيد حوارها وقال إن هذه الرواية يجب أن تتحول إلى مسلسل تليفزيوني ومن كرم أخلاقي أن أعيرها له ليطَّلع عليها ثم يعيدها! ما حصل بعد ذلك أنني اشتريت الرواية إحدى عشرة مرة، وفي كل مرة كانت تذهب إلى «مستعير» لكنها تختفي معه! بعد ذلك زارني روائي شهير وقبل أن يرتشف قهوة من فنجانه، التقط عن ذراع الأريكة رواية «ساعي بريد بابلو نيرودا» وقال إنه سيستعيرها متفاجئاً بعدم رؤيته لها في المكتبات، وقد ذهبَت معه ثم ذهب هو إلى بارئه ولم أعثر عليها بعد ذلك في أي مكتبة! من قلب هذه الذكريات خرج ما هو أقدم! في منتصف ثمانينيات القرن الماضي كان في الإذاعة مدير نحبه جداً لدماثته وتواضعه وتقديره لنا وإذ قال لي إن بحثه عن كتاب يسرقه من تعب ومشاغل العمل لم يُفْض به إلى نتيجة تطوعت لإعارته الجزء الأول من «ألف ليلة وليلة»، من طبعة فريدة كنت أتباهى باقتنائها، فأخذ الكتاب وطال به المقام عنده وكانت وسيلتي لاستعادته متذاكية: -أستاذ، من غير المعقول أن يفترق جزء عن شقيقيه. الأجزاء الثلاثة يجب أن تكون إما عندك وإما عندي، هل أجلبها لك؟ قال بهدوء وسرور: -أكون ممتناً جداً إذا فعلتِ! وطارت «ألف ليلة وليلة» من دون عودة!
بعد هذه «القصص» صرت أشتري من الكتاب نسختين تحسباً من سطوة الأصدقاء ومن ندرة الكتاب بعد فوات موسمه في معرض أو موجة شهرة مفاجئة، لأن القارئ الشغوف لا يُردّ مثل ضيف الغداء أو العشاء، القادم من سفر، ولعلّ الجديد الطارئ بعد الحرب الإجرامية علينا أن النسخة الثانية صارت تذهب هدية مع توقيع في مناسبات باتت كثيرة ولم تعد ميسورة على مدخراتنا التي تشح يوماً بعد يوم!
من فضائل الكتب أنها مرنة بحيث تصبح هي أيضاً مثل الملابس المتعددة، نحفظها حسب الفصول ونبدلها حين الحاجة، عدا أن الكتاب يعيش ربيعاً أبدياً ويثمر مزهراً في كل وقت!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب