صناعيو صابون الغار بحلب متفائلون بإنتاج الزيتون المبشر.. وتخفيض أسعاره رهن السماح بتوريد زيت المطراف من عفرين
تشرين- رحاب الإبراهيم:
بعد الإعلان عن موسم زيتون مبشر عد الأفضل منذ أكثر من 30 عاماً وتحديداً في منطقة الساحل، ارتفعت موجات التفاؤل بكسر حدة غلاء صابون الغار الحلبي وعودة مؤشر أسعاره إلى مستويات تحرك أسواقه الراكدة عبر تمكين المواطن من شرائه كما يرغب وليس الاكتفاء بلوح صابون واحد في وقت كانت العائلات الحلبية “تموّن” بكميات كبيرة، وحتى زائري العاصمة الاقتصادية يفعلون الأمر ذاته قبل أن تدخله الحرب في بورصة الأسعار المتصاعدة.
“تشرين” جالت في سوق باب “جنين” الشعبي المعروف، الذي عاد إلى نشاطه التجاري منذ سنوات، ويعرض في محاله صابون الغار بمختلف أصنافه وأنواعه وأسعاره، التي تتراوح حسب النوعية وقدم التصنيع بين 8 إلى 50 ألف ليرة، وسط حركة شراء محدودة فرضتها الظروف الاقتصادية الصعبة وضعف القوى الشرائية للمواطنين.
تحريك سوق الصابون
التوقعات بانخفاض أسعار صابون الغار بناء على موسم الزيتون الوافر أيدها بعض صناعيي هذه الحرفة التراثية في حين ربط آخرون ذلك بعد أمور تحتاج إلى معالجة حتى تنعكس على انخفاض أسعاره ومعاودة التصدير، حيث أكد معروف أبو دان “صاحب محل وإحدى المصابن المعروفة بحلب” لـ”تشرين” أن أسعار صابون الغار ستكون أقل حتماً بحيث ينخفض سعر كيلو صابون الغار الذي سعره 8 آلاف إلى 6 آلاف مثلاً، وهو ما سيسهم في تحريك سوق الصابون، الذي شهد تحسناً منذ فترة عند قدوم زوار من بقية المحافظات أثناء إقامة فعاليات متنوعة في مدينة حلب، إضافة إلى السياح وخاصة من الدول الصديقة، فعلى قوله “الرجل” الغربية تنشط سوق الصابون أكثر كون قوة المواطن الشرائية الضعيفة لا تسمح له بأخذ كميات كبيرة كالسابق، مبيناً أن واقع سوق الصابون كان العام الماضي أفضل، فالواقع الاقتصادي الصعب فرض تأثيره عليه كبقية الأسواق الأخرى.
انخفاض مأمول ولكن..
وشدد أبو دان على أهمية إنتاج الكبير في منطقة الساحل، الذي سيسهم بطريقة أو بأخرى بتخفيض سعر الصابون، لكن الانخفاض المأمول يتحقق عند السماح بجلب زيت المطراف من عفرين، كونه يعد الأفضل لصناعة صابون الغار، إضافة إلى تخفيض أجور النقل، بالتالي في حال السماح بتوريد هذا الزيت، ستشهد صناعة صابون الغار تحسناً كبيراً وخاصة أنه ذلك سيؤدي حكماً إلى فتح المصابن المغلقة مع حصول انخفاض ملحوظ في أسعار الصابون.
يتفق معه الصناعي عبد اللطيف قضيماتي في نقاط عديدة وخاصة فيما يتعلق بتأثير موسم الزيتون المبشر على صناعة الصابون، لكن بالمقابل يؤكد أنه لا يمكن البت بتخفيض أسعار الصابون إلا بعد شهري تشرين الثاني وكانون الأول، عند وصول كميات زيت “بيرين” إلى معامل حسياء بحمص، المعنية بتصنيع زيت المطراف المخصصة لصناعة صابون الغار، فإذا خفضت المعامل أسعاره سيؤدي ذلك إلى تخفيض أسعار صابون الغار، الذي يتحكم بسعره تكاليف الإنتاج والنقل وخاصة بعد تقلبات سعر الصرف الأخيرة.
تحكم معامل..؟!
نبرة التفاؤل بموسم الزيتون المبشر تطغى على حديث معظم صناعيي مهنة صابون الغار التقليدية، لكن أيضاً تحضر الـ”لكن” بعدها مباشرة في إشارة إلى عوامل أخرى قد تخفف من تأثير الموسم الجيد، حيث يشدد رئيس لجنة صناعة صابون الغار في غرفة صناعة حلب هشام جبيلي صاحب أقدم مصبنة في مدينة حلب أن موسم الزيتون يبشر بالخير، لكن تأثيره لن يكون كما هو مأمول، لعدة عوامل، أهمها أن إنتاج معامل “البيرين” في مدينة حسياء والبالغ عددها ستة وأحدها متوقف عن العمل حالياً لا يكف حاجة المصابن، المحكومة بإنتاج هذه المعامل، التي تصنع صابون الغار أيضاً، ما يجعلها تتحكم بالمصابن في حلب وتفرض تسعيرتها الخاصة في ظل عدم وجود منافس فعلي، إضافة إلى أجور النقل المرتفعة، التي تسبب أيضاً في زيادة أسعار الصابون.
توريد زيت المطراف
واعتبر جبيلي أن ضمان عودة جميع مصابن حلب إلى العمل بكامل طاقتها وتخفيض أسعار الصابون رهن السماح بتوريد زيت المطراف من مدينة عفرين ومعاملته على أساس أنه زيت مطراف وليس زيت زيتون، حيث يوجد اليوم في مدينة عفرين 28 معملاً لتصنيع زيت المطراف تحرم منها المصابن في حلب، مع أنها تشكل بوابة الخلاص لإنقاذ صناعة صابون الغار وكسر حدة أسعاره.
تركيا تسرق الإنتاج
ولفت جبيلي إلى أن تركيا تسرق إنتاج عفرين وتصنعه وتطرحه في الأسواق الخارجية على أنه صابون غار حلبي بغية ضرب المنتج السوري، مبنياً وجود دعوى في فرنسا لإثبات أن الصابون التركي ليس صابوناً حلبياً، علماً أنها أصبحت تأخذ حصة المنتج السوري من الأسواق الخارجية كونها تسرق الزيت العفريني أولاً وفي ظل قدرتها على المنافسة جراء انخفاض تكاليف الإنتاج عندها مقارنة بتكاليف الإنتاج المحلية.
وبيّن رئيس لجنة صناعة صابون الغار في غرفة صناعة حلب أن الطلب حالياً يتركز على السوق الخارجية في ظل ضعف القوى الشرائية للمواطن، لكن للأسف اليوم السوق الأوروبية خرجت نسبياً من الخريطة التصديرية بسبب ظروف الحرب الروسية- الأوكرانية مع أنها تفضل صابون الغار الحلبي وتطلبه دوماً لنوعيته الممتازة ذات التركيبة الطبيعية خلافاً للمنتج التركي، الذي يزاحم المنتج المحلي في السوق العراقي حالياً وسيقدر على منافسته في حال لم يتم السماح بتوريد زيت عفرين، فعلى مدار أربع سنوات كان صابون الغار الحلبي أرخص من التركي، لكن العام الماضي انقلبت المعادلة بعد سرقة تركيا زيت عفرين، لذا بات ضرورياً من أجل منع تركيا من الاستفادة من نقاط الخلل، التي تعانيها صناعة صابون الغار في حلب اتخاذ خطوات باتجاه السماح بتوريد زيت المطراف من معامل عفرين على نحو يكفي حاجة المعامل ويمنع تحكم معامل البيرين في حسياء بالأسعار، وقتها حتماً سوف تنخفض الأسعار إلى النصف تقريباً.
استيراد من الدول المنتجة
وفي الوقت ذاته أكد جبيلي ضرورة السماح باستيراد زيت المطراف من الدول العربية المنتجة للزيتون كتونس والمغرب كالسابق إذا لم يستجب لطلبات المصابن بتوريد هذا الزيت من عفرين، مشيراً إلى أنه كان يسمح للتجار باستيراد هذه المادة في شهري تشرين الثاني وكانون الأول من كل عام، لكن وزارة الاقتصاد تأخرت في إصدار هذا القرار جراء عدم تقدم أي تاجر للحصول على إجازة استيراد خلال العام الفائت.
وبين رئيس لجنة صناعة الصابون بغرفة صناعة حلب أن نتيجة الظروف السابقة والمشاكل التي تواجه صناعة الصابون انخفاض عدد المصابن إلى النصف مقارنة بعام 2020، حيث كان عددها بحدود 25 مصبنة، واليوم لا تعمل سوى نصفها تقريباً.
لا تأثير للتصدير ..
على الطرف المقابل لسوق صابون الغار والتوابل في باب جنين يعرض تجار زيت الزيتون بضاعتهم من الموسم القديم والجديد، مع لحظ رفع أسعاره فور الإعلان عن موسم الزيتون الجيد والتوجه إلى تصدير الفائض، وهنا يؤكد تاجر الزيت ومصدر أيضاً محمد السادات أن التصدير ليس السبب في زيادة أسعار الزيت، فهو يصدر زيت الزيتون منذ أكثر من 25 عاماً بعبوات تبين أن الإنتاج سوري صرف، ولم يحصل أن رفع التصدير أسعار الزيت، الذي يجب أن يصدر برأيه لجلب قطع أجبني لخزينة الدولة وإفادة مزارعي الزيتون معاً، واضعاً كرة رفع سعر الزيت في ملعب الأسعار العالمية والظروف الاقتصادية الراهنة.
وشدد على أهمية الاستفادة من موسم الزيت الحالي كونه الأفضل منذ 30 عام في الساحل تحديداً، أما في إدلب وعفرين فلم يدخل في حسابات الإنتاج علماً أن كثر من مزارعي الزيتون في هذه المناطق يرغبون في تمريره إلى السوق المحلية لكن تركيا تمنع ذلك وتسرق الإنتاج لصالح اقتصادها، علماً أن زيت الزيتون العفريني كما هو معروف أفضل لصناعة الصابون والتصدير بسبب طعمه ولونه المرغوب، مشيراً كصناعي لصابون الغار إلى ضرورة اتخاذ خطوات من أجل ضمان وصول زيت عفرين إلى الأسواق المحلية على نحو يسهم في تخفيض سعر الزيت وصابون الغار.
ت-صهيب عمراية