مئة عام في ساعات
ثلاثة أعوامٍ مرّت على إعلان منصة البث نتفليكس، تحويل رواية غابرييل غارسيا ماركيز 1927– 2014 “مئة عام من العزلة” إلى مسلسلٍ تلفزيوني، وهي ليست المرة الأولى في تاريخ الروائي الكولومبي، غير أن الخبر عاد إلى الواجهة مجدداً مع عرض المنصة مُؤخراً مقطعاً من الإنتاج الجديد، تزامناً مع الذكرى الـ 40 لفوز الكاتب بجائزة نوبل للآداب عام 1982، وكما هو متوقع أثارت الدقائق القصيرة المُتاحة على مئات المواقع حالياً، اهتمام الملايين حول العالم، بِمادتها البصرية والسمعية المُبهرة، وهو ما قالته المنصة في إعلانها ذاته عن تعزيز إنتاجها لِمحتوى عالي الجودة عالمياً، حتى أنها استجابت لرغبة المُؤلف التي أكدها مِراراً، بضرورة تقديم الرواية بلغتها الأصلية، الإسبانية، في حال حُوِّلت إلى مسلسلٍ أو فيلم.
وعلى أي حال، ربما يبدو الحديث عن الأمانة في تحويل الرواية الشهيرة إلى مسلسلٍ، ساذجاً نوعاً ما، إذا ما سلمنا بأن النص الأدبي كيانٌ مقروءٌ ومُتخيّل، بينما السيناريو مرئيٌ ومسموعٌ ومُتحرك، إذاً نحن أمام مادتين مُختلفتين كليّاً، لكن بالمقابل، سيغدو هذا تساهلاً لا يُطمئن، تجاه روائيٍ بحجم ماركيز، ولا مبالغة في القول بأن المُنتَج الجديد إنذارٌ بالخطر، لا يجب التعاطي معه بحسن النية، ولو تمّ بموافقة عائلة الكاتب ومشاركة ابنيه كمنتِجَين مُنفذين، يمتلكان حقّ التصرف بميراث أبيهما، لكنهما بالتأكيد لا يمتلكان ما أصبح مُلكاً للبشرية، بل كان الأجدى بهما الحفاظ على القيمة التي حققتها الرواية بتجاوزها الزمان والمكان واللغات، والإبقاء على شكلها الأول
يُقال إن ماركيز ظلّ يُفكر في الرواية طيلة ستة عشر عاماً، قبل أن يشرع في كتابتها عامين كاملين، ثم كان لها عند النشر نجاحٌ يصعب وصفه، ليس فقط لجهة الأسلوب الذي يمزج الخيال بالواقع، إنما أيضاً للحشد القصصي الضخم فيها عن أجيال من عائلة بوينديا الممتدة عبر مئة عام من تاريخ أمريكا اللاتينية المُضطرب، تحديداً في قرية “ماكوندو” المُفترضة، حيث كان الغجر ينصبون خيامهم في كل عام، قريباً منها، يقول الكاتب في الصفحة الأولى من الرواية “كانت الدنيا غضة إلى حد أن كثيراً من الأشياء، تنقصها المسميات، فيُستعان على وصفها بالإشارة”، بعد هذا، ما الذي يُمكن للمسلسل أن يُضيفه؟!