التقيت من فترة، بأحد مكاتب مؤسساتنا الحكومية، بشخص يدعي أنه صحفي، ويجمع بحديثه أكثر من مراجع وصحفي زميل، وللحقيقة، أعترف أنني استمتعت بقصته، وأنصت جيداً لجمله البلاغية خاصة وأنه (خريط كشيش) من الطراز الرفيع..
وهؤلاء للأمانة يتمتعون بمخيلة كبيرة، ويمتلكون بلغتهم استعارات مكنية وتمثيلية، وصوراً لغوية جديدة على قواميسنا وحتى أطلس حياتنا اليومية.
المهم.. وباختصار يقول (الكشاش) المغمور: استيقظت باكراً على رنة الموبايل، ومادام الهاتف جاءك مع شروق الشمس فلابد لأمر جلل خطير.. خاصة إذا كان مديرك، يطلب منك الحضور وتغطية ورشة عمل.. لم أدقق لحظتها بالتفاصيل، وأنا مازلت شبه نائم وعلى الريق، بلا قهوة وبلا سندويش.. وخرجت مسرعاً من بيتي من دون أدنى اهتمام بهندامي، ومظهري الخارحي..
وصلت الصالة الفاخرة، وانتظرت بين الحاضرين نشاطاً تأهيلياً وتمويلياً للمشاريع المتوسطة والصغيرة، وأنا لا أحمل في يدي لا ميكرفون ولا حتى آلة تسجيل.. والقميص والبنطلون وطاقية رأسي، لا تليق أبداً باحتفالية تمويلية، وفكرة الابتعاد عن المعنيين والانخراط بين المدعوين، فكرة عبثية ويجب علي الاقتراب أكثر من اللازم من الصف الأمامي لأحفظ ما يقال وأسجل التصريحات حتى لو بقلم رصاص، لأرسله للسيد المدير الذي كلفني بالمهمة دون الجميع!
طبعاً حتى اللحظة كان حديث (الكشاش الخرّيط) حديثاً مملاً وتقليدياً، إلا أنه ما لبث أن انتقل إلى الإثارة والتشويق، ليكمل روايته بالقول: قررت أنا العبد الفقير أن أندس بين لفيف المسؤولين، وأكون بين السادة المعنيين، وأحظى بابتسامة وزير، ابتسامة لم ينلها كبير الصحفيين الحاضرين.
وكنت محوراً رئيسياً في كادر التصوير، ترصدتني عدسات الكاميرات، وتناقلت صوري قنوات التلفزة، وأنا بين أصحاب البدل والكرافات مثل العين المقلوعة أرتدي بنطولاً و(قميص) والجميع خصني بالاهتمام والترحيب وكأنني وجه سينمائي..
لكنني، وبسبب حسي الصحفي، أيقنت أن هندامي المعتر كان السبب الوحيد والوجيه، في نجوميتي ويفترض أنني خير مثال لمواطن من فئة الكادحين، تحتفي بهم ورشة عمل لتأهيل وتمويل المشاريع.
بينما في الحقيقة لم أكن سوى صحفي، يرتدي بنطلوناً وقميصاً، ونسي إحضار آلة التسجيل..
وصال سلوم
71 المشاركات