أجور الشحن تكشف حقائق التسعير العشوائي.. خبير اقتصادي يلفت إلى تغييب مقصود لهبوط الأسعار عالمياً
تشرين- بارعة جمعة:
وعودٌ يطلقها المعنيون تتلقفها مسامع المواطن بين الفينة والأخرى، مساعٍ لم يكتب لها النجاح حتى اليوم، بل باتت ضرباً من الخيال في واقع لم يرقَ للعمل ضمن سياسة واضحة، لتغدو المبررات غير الموفقة لواقع العمل اليومي في الأسواق رهن التغييرات العالمية لسعر الصرف وأجور الشحن المتقلبة أكثر من مزاج مطلقي هذه الوعود، ويبقى الميدان هو الحكم مسجلاً ارتفاعاً بأسعار السلع بنسبة 100% خلال شهر تشرين الأول فقط، لترخي بظلالها الثقيلة على المواطن.. فماذا عن وعود التخفيض؟
التبدلات العالمية
وفي العودة لما تم الحديث عنه سابقاً من التجارة الداخلية بصفتها المسؤولة بالدرجة الأولى عن مسألة وضع التسعيرة النظامية وفق التكلفة المقدمة من التاجر والمستورد، والتي تفرض على عناصر العمل ضمنها مهمة الرقابة اليومية للأسواق أيضاً، تطالعنا الكثير من الآمال المترافقة مع الوعود من المعنيين بانخفاض قريب في أسعار السلع ضمن الأسواق، ليأتي الارتفاع الصادم عقب هذه التصريحات بموجب قرار الرفع لـ16 سلعة أساسية وبنسب تتراوح بين 10 و15%، مع التذكير بصدور قرار رفع قبله بنسبة 10% لتصل نسبة الارتفاع الإجمالية لقرابة 20 لـ25% في أقل من شهر فقط.
وفي التوصية الخاصة من التجارة الداخلية للجنة الاقتصادية بخفض الرسوم لتوفير كميات أكبر من المواد الغذائية في الأسواق وبالتالي خفض أسعارها، ارتفعت أجور الشحن من التجار أنفسهم، مبررين ذلك برفع أسعار المواد أيضاً، ليبقى المواطن يعيش ضمن الدائرة نفسها وفق مبررات التاجر وتصريحات المعنيين المترافقة مع رفع الرسوم الإضافية عليهم، متجاهلين فكرة تناسب الارتفاع مع مبدأ انخفاض أجور الشحن أيضاً، والتي سجلت هبوطاً واضحاً على مستوى الشحن عالمياً مسجلةً 4200 دولار بدلاً من 7000 دولار من ميناء “شنزن” في الصين إلى ميناء “العقبة” في الأردن حسب المعلومات التي قدمها الخبير الاقتصادي عامر شهدا، والذي رد في معرض سؤالنا له عن هذا التفاوت في التماشي مع السعر العالمي والذي سجل أيضاً 5000 دولار بدل 8000 دولار من ميناء “شنغهاي” الصيني إلى ميناء “العقبة” الأردني، و8000 دولار للحاوية بدل 12 ألف دولار من “الصين” إلى “الولايات المتحدة الأمريكية”، لتسجل انخفاضاً آخر من 5000 دولار إلى 8000 دولار من “الصين” للعراق، ومن 4000 دولار لـ7000 دولار من الصين للسعودية، وذلك وفق نشرة غرفة التجارة في الصين حسب تأكيدات شهدا.
فوضى التسعير
وللوقوف عند آلية التسعير المتبعة وسبب الارتفاع بالأسعار وفق المعطيات المقدمة أبدى شهدا استغرابه من حالة الفوضى المترافقة لتسعير المواد، مرجعاً السبب للتجار باعتبارهم أول المتحكمين في هذا الميدان، الذي بدا واضحاً في بداية أزمة كورونا التي ترافقت مع بداية الارتفاع المبرر بارتفاع أجور الشحن، لنجدها صامتة في وقت الانخفاض بالأجور بنسبة 80%.
واليوم أمام ما نعيشه من أزمات متصاعدة كان أبرزها تسعير “المتة” التي لقيت نصيبها من أجور الشحن أيضاً، يقف شهدا متسائلاً.. هل السفينة القادمة والمحملة بالمتة تسلك طريقاً موازياً لجزيرة القرم والبحر الأسود؟، إنه لمن المعيب تقديم هذا الطرح ومن ثم تبنيه أيضاً.
فما يقوم به التجار بات معروفاً برأي شهدا، ومن النادر اليوم أن يشحن تاجر بمفرده كونتينز سعته 120 ألف طن، الذي يحمل بضائع لأربعة تجار كأقل تقدير، أي إن أجور الشحن لبضاعة التاجر الواحد لا تتعدى 1000 دولار، وهنا تأتي مهمة الوزارة في تدقيق البضائع التي يحملها كل كونتينز وتحديد عائدات تلك البضائع الموثقة ضمن البيان الجمركي.
وفي مقاربة لموضوع التسعير ضمن وجهة نظر المستورد نفسه، الذي بات رهن خطوط الملاحة وفق حركة الملاحة والسفن وسعر النفط العالمي، وفق توصيف عضو مجلس اتحاد المصدرين والمستوردين العرب- المكتب الإقليمي سورية “رياض الصيرفي”، مؤكداً أن الأسعار متغيرة عالمياً بمعدل كل 15 يوماً وأكثر في بعض الأحيان، ليبقى للانخفاض أسبابه برأيه والتي تنحصر في فترة نهاية العام بسبب جرد البضائع ضمن المستودعات مع تراجع كمية البضاعة لدى الموردين في البلد المصدر لها، عدا عن كون غالبية الشركات تنهي عقودها ضمن هذه الفترة أيضاً، لتعود بالارتفاع بعد بداية العام مع بدء دوران عجلة التجارة والتبادل التجاري.
المناخ التجاري
وعن العلاقة المتبادلة ضمن هيكلية التبادل التجاري التي تحكمها شروط معينة، بدءاً بحجز البضاعة من المنتج وتثبيت الطلب الذي يتم وفق سعر مدروس يتناسب مع ظروف الوقت نفسه، وانتهاءً بموعد الشحن الذي قد يستغرق شهرين أو أكثر حسب تقديرات الصيرفي لأسلوب العمل المتبع من المستورد، لنجد في الكثير من الأحيان بأن السعر تجاوز الدراسة الأولية بأكثر أو أقل منها، والذي سيفرض مسألة الزيادة المترافقة مع رفع سعر المبيع لتغطية نفقات الشحن بما فيها المواد الموجودة ضمن مستودعه بصفته ترميماً له، لنجد أن الانخفاض لا يعمم على هذه البضائع في حال حدوثه، لحين نفاد البضائع السابقة والمشحونة بالسعر الأعلى.
وفي مواجهة هذا التخبط الكبير بعملية الشحن والاستيراد وفق ظروف متقلبة، يأتي دور التسعير من المعنيين في التجارة الداخلية والذي وفق ما أفاده الصيرفي لا يتوافق مع التاجر نفسه، الذي بات محكوماً بحساباته المعتمدة بشكل رئيس على عدد ووزن البضائع مع كتلة رأس المال، بما يضمن تعويض الوزن والعدد لدى مستودعاته، ليبقى الاستعداد أمام الارتفاع في أجور الشحن من التاجر أكثر استجابة من الانخفاض الذي سينعكس ببطء على السلع.
تفاوت ملحوظ
وأمام ما يعيشه واقع تأمين البضائع وضمان توفيرها في الأسواق التي باتت تشكل هاجساً لدى أطراف العملية كلها، يتصدر عدم ثبات سعر الصرف مشهد التبدلات اليومية في أسعار السلع، والذي عده الخبير المصرفي “عامر شهدا” غير مؤثر قياساً بانخفاض أجور الشحن بنسبة 80%، وأمام زيادة في سعر الصرف بنسبة 7% فقط، و3% للرسوم الإضافية، أي بمعدل 10% كنسبة ارتفاع، فما المبرر لعدم انخفاض السلع التي من الواجب أمام حساب هذه النسب أن تنخفض 70%، وما السبب الكامن وراء رفع الأسعار 25% وبقرار وزاري؟!
إلا أن لحسابات التاجر اليومية هنا رأياً آخر يقدمها عضو مجلس اتحاد المصدرين والمستوردين العرب المكتب الإقليمي سورية رياض الصيرفي من مبدأ أن سعر الصرف هو الأساس في رأس المال القائم على حاوية مستوردة مع كامل خدماتها ومصاريفها بالقطع الأجنبي ومن القنوات النظامية ومبيعاتها بالعملة المحلية، لتبقى الأزمة العالمية برأيه التي غيرت بسعر الصرف أمام العملات في معظم الدول لتطول اليورو والجنيه الإسترليني والجنيه المصري والليرة التركية واللبنانية وغيرها الكثير من العملات، ملقياً باللوم على العقوبات التي أثرت بشكل بسيط على واقع اقتصادنا المحلي المتمثل بتأرجح الأسعار يومياً، والذي عده الصيرفي طفيفاً قياساً باقتصاد الدول الأخرى.