قمّة الجزائر.. سورية الحاضر الحاضر
تشرين – هبا علي أحمد:
لا تصح أي قمة عربية من دون سورية، ولا يصل أي ملف من ملفات القضايا العربية المُلحة والمُحقة إلى خواتيمه الإيجابية من دون سورية، لا نقول ذلك من باب التعصب الأعمى وإن كان يحق لنا، ولكن هذا مؤكد على مدى سنوات ولاسيما العشرية الأخيرة، حيث حُرمت سورية من مقعدها في الجامعة العربية وبعدها كانت جميع قمم الجامعة بلا انتماء أو جدوى وبلا نتائج ،إنما استعراض فقط بل تكالب على البعض – مع استثناءات، وآخر قمة مُجدية كانت قمة دمشق 2008.
لكن ذلك لا يعني أننا نضع العصي في دواليب القمة العربية التي تبدأ اليوم في الجزائر وتختتم غداً، ولا أن نقللّ من أهميتها، بل على العكس تماماً يكفي أنها في جزائر النضال لتكون قمة جديدة ومغايرة، ويمكن عدّ قمة الجزائر انطلاقة جديدة لإعادة البوصلة لمسارها الصحيح على درب لمّ الشمل العربي ونبذ الفرقة وتغليب التوافق قدر المستطاع ومحاولة إيجاد دينامكية جديدة على مستوى العمل العربي المشترك في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة والوضع الدولي عموماً.
أهمية قمة الجزائر، تتلخص في ثلاثة محاور مركزية ومهمة في آن معاً:
المحور الأول: رغم عدم حضور سورية، لكن لا يمكن عدّها «الحاضر الغائب» في أي حال من الأحوال، بل هي الحاضر الحاضر، الحاضر الذي أراد من خلال غيابه الطوعي التمهيد لعوامل لمّ الشمل العربي وسد الذرائع وقطع الطريق أمام أي خلافات قد تحدث نتيجة رفض البعض للحضور السوري، فما يهم سورية الاتفاق، وهو أحوج ما تكون إليه المنطقة راهناً ولاسيما في سياق القضية الفلسطينية وضرورة التوحد وتكاتف الجهود لمناهضة المحتل الإسرائيلي الغاصب والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله لتحرير أرضه، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، وقطع الطريق أمام مسلسل التطبيع، فالغاية هي العمل وتوحيد الكلمة والصف العربي بما يخدم جميع قضايانا من فلسطين إلى اليمن وسورية وليبيا والعراق ولبنان، فجميعها قضايا مُلحة تحتاج حلولاً لن تُبصر النور إلّا بالعمل العربي المشترك، و بالحضور السوري حتماً.
المحور الثاني: القضية الفلسطينية، التي تعدّها الجزائر أمّ القضايا، وجعلتها عنواناً للقمة ومهدت لها سابقاً بمصالحة فلسطينية على أراضيها، وهنا تأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، ووضع العديد من الدول العربية التي ركبت قطار التطبيع أمام مسؤوليتها، في محاولة جزائرية – سورية في آنٍ معاً لوضع حدٍّ لزمن التخاذل والهرولة نحو التطبيع، وبالنسبة للجزائر فهذا ليس غريباً عنها، وعن تاريخها المرتبط بالقضية الفلسطينية ودعمها اللامشروط واللامحدود، والتي قال عنها الراحل هواري بومدين في عام 1974: «أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة» أي إن دعم فلسطين حالة متأصلة لدى الجزائريين عبر التاريخ، ولا ننسى أن الجزائر تمثل عقدة للصهاينة.
المحور الثالث: إنها في الجزائر، ذات الإرث النضالي والمقاوم، الهادف دائماً إلى مقاومة المحتل، أي محتل لأي أرض، والمدافع عن القضايا المحقة العادلة، ويشهد للجزائر رفضها الانجرار وراء موجة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، ودعمها الحلول السلمية والحوار في مختلف القضايا، وحرصها الدائم على عودة سورية لتأخذ دورها الفاعل والوازن والمؤثر في الجامعة العربية، كما أنها، لم تسجل موقفاً سلبياً تجاه أي من الدول العربية، ناهيك بأن الجزائر تدرك ماهية الاستعمار والاحتلال وويلاته، لذلك تدفع دائماً نحو تحرير الأرض ومقاومة المحتل، وهي مع سورية قلباً وقالباً، وبدأت دعوتها للقمة بالدعوة لعودة سورية للجامعة.
أن تكون القمة في الجزائر يعني أن سورية حاضرة قولاً وفعلاً، نظراً للتماهي بين الجانبين في المواقف والآراء والتوجهات وحمل الهم العربي والسعي الدائم للتوافقات، فالحضور ليس مرتبطاً بمقعد بقدر ما هو مرتبط بالفعل، وسورية رغم تجميد مقعدها بقيت على الدوام حاملة للهم العربي وداعية للتوافق وتقريب وجهات النظر وستبقى على هذا الدور دائماً، وكما تتولى سورية الدفاع عن المصالح العربية في كل المحافل الدولية، رغم ما حلّ بها، تلاقيها الجزائر دائماً في التعبير عن الهواجس العربية والدفاع عن المصالح العربية في كل المحافل الدولية.