لم يفوت الرئيس بوتين أعمال (نادي فالداي للنقاش) حيث شارك الأسبوع الماضي بنقاش واسع مع الخبراء والباحثين العالميين الذين حضروا إلى روسيا للمشاركة في نادي النقاش الروسي، وطرح أمامهم رؤيته الفكرية التي تشكل أساس الإستراتيجية الروسية في البناء الداخلي و التعامل الدولي، وكان بوتين على منصة النقاش يطرح أفكاره ضمن منهج يريد أن يقول إن روسيا تبني إستراتيجيتها على (رؤية فكرية حضارية) فما هي هذه الرؤية الفكرية الروسية التي طرحها الرئيس بوتين؟
من يدقق بطروحات بوتين على منصة فالداي يكتشف أنه بنى رؤيته الفكرية على أساس البحث في وسائل بناء الحضارة الإنسانية، و موضوع الحضارة الإنسانية جعله آخر عبارات طرحه في فالداي، وكأنها خلاصة رؤيته، واستخدم بوتين في طرحه الفكري، التاريخ والثقافة والتحليل الإستراتيجي، ليعلن اعتقاده بأن التعاون والتفاعل والحوار بين الشعوب والدول، وعبر احترام سيادة واستقلال وخيارات كل شعب، هو الطريق الوحيد لعمارة الحضارة الإنسانية، ولم يفت الرئيس بوتين أن يؤكد حق كل شعب باختيار طريقة حياته وحكمه، مشدداً على شرعية كل أمة في الدفاع عن وجودها وكيانها وخيراتها وثقافتها ونظام الحكم الذي اختارته.
في المقابل فإن بوتين في رؤيته الفكرية يوضح أن الغرب يسعى للسيطرة على العالم و الهيمنة على مقدراته ونهب ثرواته، و لتبرير هذا السلوك ينادي الغرب بعالم يقوم على قواعده هو، وحسب بوتين فإن هذه القواعد مجهولة كالثقب الأسود، ما هي إلّا تمويهاً للاستغلال والنهب والسيطرة والهيمنة، و كما يقول بوتين فإن هذا ما يدفع الغرب إلى تقويض عمل المؤسسات الدولية والإطاحة بالقانون الدولي ليكرس تفوقه، في امتياز ينوب عن أي شرعية دولية و يغتصب دورها، لذلك يرى بوتين أن الغرب يعرقل بناء الحضارة الإنسانية بل يدمر أسس عمارتها الإنسانية.
عبر التذكير بالتاريخ أوضح بوتين أن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي حاولت التعاون مع الغرب، وطرحت مبادرات للتفاعل والتلاقي، ولم تلقَ منه إلّا توسيع حلفه العسكري الأطلسي وتمدده باتجاه حدودها، وزيادة تهديدها وحصارها، وأخيراً أراد الغرب جعل أوكرانيا (بوز المدفع) والقوة المتقدمة في عملية تحاول إسقاط روسيا، ويؤكد بوتين أنه بناء على كل ذلك، وحسب مبدأ الدفاع عن النفس، أطلقت موسكو العملية العسكرية الخاصة لرد الخطر الأطلسي الذي يهددها عبر أوكرانيا، لأنها مصرّة على دورها في حماية نفسها ودورها في بناء الحضارة حسب تأكيد بوتين.
الرئيس بوتين أكمل رؤيته الفكرية باقتراح الحوار مع الغرب، واستعداد روسيا للتفاوض معه في إطار القانون الدولي وتعدد الثقافات وتنوع الإستراتيجيات، لأن تعدد الأقطاب وتنوع الثقافات والأساليب، يغني الحضارة الإنسانية، و يرتقي بها بعيداً عن ضيق و جنون السيطرة والهيمنة السامة للحضارة والإنسان والعدل وفق طرح بوتين الفكري.