وإن بدا العكس!
ينبغي ألا تستفز المرء وتنغصه المفارقات الحاصلة في محيطنا من جراء تدني أداء بعض الخدمات أو تنفيذ أعمال ليست من الأولويات وترك غيرها قد نكون بأمس الحاجة إليها، فالأهداف التي تضمرها الجهات ذات العلاقة من وراء ذلك تصب في خانة الصحة النفسية والجسدية للمواطن من دون أن يدرك.
فمثلاً على صعيد الطرق؛ ينبغي عدم التذمر من تكرار أعمال صيانة وترقيع طرقات بعينها، في حين غيرها ضمن أحياء تنظيمية متروكة بفرش بقايا المقالع أو من دونه ولا أفق قريباً لتعبيدها وتزفيتها، حيث إن ذلك لا يأتي -لا سمح الله- لإرهاق المارة وخاصة تلاميذ وطلاب المدارس والمسنين أو عدم تيسير حركتهم بعيداً عن الغبار والوحول والحجارة المتشظية، بل غايته معنوية تتجسد بإكسابهم مهارة التحمل والصبر على الشدائد، وكذلك علاجية لكون المشي على الطرقات الترابية غير المستوية والمطعمة بفسيفساء من الحصى والحجارة متفاوتة الأحجام تفيد في تنمية عضلات الأرجل وتسهم بإزالة المناقير من كعب القدمين أو تمنع الإصابة بها.
ولجهة النقل؛ لا تمتعضوا من عدم شمول جميع الخطوط داخل المدينة بوسائل النقل أو تهربها من العمل على خطوط أخرى بين البلدات، فذلك ليس من باب التقصير في إلزام تلك الوسائل بخطوطها وغياب رؤية توزيعها المناسب أو عدم الحرص على وصول الناس إلى أشغالها بيسر وسهولة، بل الدافع صحي لأن رياضة المشي لها منافع كثيرة كتنشيط الدورة الدموية والحدّ من الجلطات وتحسين اللياقة البدنية وتحفيز الدماغ، فيصل الموظف إلى عمله مفعماً بالنشاط والطالب مشبعاً حيوية.
أيضاً؛ لا تبتئسوا من عدم وصول مازوت التدفئة المدعوم للمنازل، وأن على ربّ الأسرة حين يحظى برسالة الاستلام الميمونة احتضان بيدوناته مستنفراً جميع أفراد أسرته لمساعدته في نقلها ذهاباً وإياباً إلى أحد أطراف المدينة أو البلدة حيث سيحضر صهريج التوزيع الموعود، وبعدها الانتظار طويلاً وسط طوابير مزدحمة وضجيج صاخب، فالغاية ليست إرباك ذلك المواطن وإرهاقه وتحميله تكاليف باهظة لنقل البيدونات بعد ملئها، بل القصد أسمى حيث إن اجتماع أهالي الحي يتيح فرصة تعارفهم ويمتن الألفة فيما بينهم ما قد يفضي إلى تقاسم وتشارك هموم ومصاعب الحياة، ناهيك عن المتعة التي يشعر بها الإنسان حين الانتهاء من مرارة وإرهاق الانتظار وسط العوامل الجوية القاسية أثناء الحصول على مخصصاتهم ولو أنها زهيدة لا تكفي التدفئة مع ابتكار أفضل طرق الترشيد شهر واحد.
حالات التندر بهذا المنحى كثيرة ولا مجال لسردها جميعاً هنا، لكن بالمحصلة ما علينا سوى المواظبة على توظيف مهارة التحمل والصبر التي اكتسبناها بمواجهة ما يحدث، على أمل ألا يطول انتظار حزم وعزم الجهات المعنية تجاه ضرورة تحسين الواقع الخدمي والمحاسبة على المخالفات ومفارقة الأولويات الواقعة.