حكايةٌ عن الحب 

حَالت الدسائس والضغوطات دون نيلِ الكاتب الروسي قسطنطين باوستوفسكي (1892-1968) عدة جوائز في حياته، أبرزها نوبل في الأدب، في حين أنه لا توجد أسبابٌ واضحة للترجمات المحدودة جداً لأعماله إلى العربية، لذلك يُحسب للشاعر والمُترجم الدكتور أيمن أبو الشعر اختياره واحدةً من قصصه القصيرة في كتابه “مُختارات من روائع القصص الروسية” الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2020.

“الثلج” حكايةٌ تبدأ بوفاة العجوز باتابوف بعد شهرين من انتقال بيتروفنا للسكن في بيته مع ابنتها ومربيتها، ورغم حرصها ألّا تُغيّر شيئاً في المكان، ولاسيما البيانو غير المُدوزن والصور المصفرّة فوق الجدران، لكنها تتوقف مِراراً عند صورة ابن العجوز البحار، الذي سيعود في وقتٍ ما لِيجد غرباء يقيمون في بيت أبيه، وتُكلِّم نفسها “أشعر أننا تقابلنا في مكانٍ ما، لكن متى وأين؟”.

تستجيب بيتروفنا لفضولها، تفتح إحدى رسائل الابن، ويبدو أنه لم يعلم بوفاة والده، ويُؤلمها اشتياقه للدرب نحو العريشة القديمة المغمورة برذاذ الجليد، والمواقد تطقطق عابقة بدخان خشب البتولا، والبيانو قد تدوزن أخيراً، والجرس كفّ عن الجلجلة، وتُفكِّر كم سيكون مؤلماً أن يعود الرجل فلا يجد شيئاً مما كانت عليه الأمور قبل رحيله، فتُسارع لتمهيد درب العريشة ودوزنة البيانو وإصلاح الجرس، وإعادة ترتيب البيت كما يشتهي.

يُدرك باتابوف الابن ما صنعته المرأة لأجله حين تأتي الزيارة المُنتظرة، لكن المفاجأة تكمن في رسالةٍ يُرسلها فور رحيله مُجدداً، والمُرسل إليه هذه المرة هي بيتروفنا، يقول فيها أنه تذكَر لقاءهما العابر في القرم، على الدرب القديم في حديقة ليفادي، يومها ظنّ أنه أضاعها للأبد لكن الحياة رؤوفٌ معه ولِهذا قابلها من جديد، تضحك المرأة وتُغمض عينيها بكفيها، فهي لم تزر القرم أبداً، ولكن هل يُمكن أن يعني ذلك أي شيءٍ الآن، وهل يستحق أن تُشككه أو تشكك نفسها؟.

بهذه البساطة، ولو كانت وهماً أو خطأً جميلاً جادت به الحياة، يصنع لنا باوستوفسكي حكايةً عن الحب، من صورةٍ ورسالةٍ وذِكرى، لا وعود فيها ولا أشواق، كل ما في الأمر استجابةٌ لخاطرٍ ما ورغبةٌ في إسعاد شخصٍ نظن أننا نعرفه، وحين تضعنا الأقدار أمام طريقين، الأول حقيقة، والثاني ليس إلّا خيالاً، نختار سعادتنا، ولو كانت لِقاءً لم يحدث.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار