الحرب إبداعياً!
موضوعة الحرب كما هو معلوم، أثيرة لدى الأدباء كتّاب (شعر، وقصة، ورواية، ومسرح)، ولدى الفنانين في فنون بصرية (سينما، مسرح، فنون تشكيلية، وغير ذلك)، وفي الفنون السمعية، لكن القليل منها ما يأتي متقناً من الناحيتين الفكرية والفنية، وغالباً هي التي تنجز في منأى عن أي موقف إيديولوجي. وتصبح مسألة الإتقان أكثر صعوبة إن أنجزت تلك الأعمال خلال سنوات الحرب، ونزعم كما يزعم غيرنا، أنه كلما ابتعدنا عن الصدمة الأولى للحرب رغم أن مفاعيلها تتضاعف فيما بعد، لكن التعبير عنها سيأتي ناضجاً وعميقاً أكثر مما لو أنجز عملنا في الأشهر الأولى، أو السنوات الأولى للحرب.
ولعلّ ما سجله بعض الأصدقاء والقراء على مقالتي منذ أيام، التي تناولت فيها ملاحظات عدة على رواية (إيميسا) للكاتبة هلا أحمد علي، أن من حق الكتّاب في الرواية ألّا يلتزموا بواقعية ما حدث، رغم صحته، إلّا أننا عندما ننسّجُ أي رواية على خيوط المكان المشتبكة بالزمان، المحددين والمعلومين لدى جميع من شهد الحرب التي ما زلنا نعاني مفاعيلها، لا يمكن أن يكون للسرد الروائي فيه أي اجتراح يعيد تشكيل المكان والزمان والحدث على هوى الروائيّ، أو أي مشتغل في إبداع أدبي آخر، أو فن آخر. فلا مجال أمام المشتغل بأي جنس إبداعي سوى تقديم ما هو افتراضي وتقديم أحداث متخيلة لأجل تقديم مقولة ما، شرط أن تكون إنسانية لا ذات موقف إيدولوجي، وإلّا سيقع في مطب آخر. وحتى عندما يسعى أي مشتغل في الأدب أو الفنون في تقديم قصة وأحداث افتراضية، أزعم أنه يجب فك الاشتباك مع مكان وزمان محددين معلومين، وهذا ما لم يوفق به المخرج السينمائي جود سعيد في فيلمه (مطر حمص)، فقدم أحداثاً عكس التي حدثت في حمص خلال الحرب، فأظهر أن جنود الجيش السوري كانوا محاصرين في حمص القديمة من قبل العناصر الإر*ها*بية في حين أن العكس تماماً كان الواقع. كما أن المدنيين الذين ظلوا في حمص القديمة لم يكونوا محتجزين أو مخطوفين، بل ظلوا في بيوتهم بخياراتهم منعهم الحصار من إمكانية الخروج.
فالإيديولوجيا خير دافعة لأي إنجاز أدبي أو فني نحو الهاوية والنسيان، على خلاف الموقف الأدبي الذي يسعى نحو ثالوث الحق المقدس (الحق والخير والجمال).