سريعة الزوال!!
“الأمن الثقافي”؛ مصطلحٌ تمَّ تداوله بكثافة ذات حينٍ ليس ببعيد، ورغم الكثافة في التداول غير أنه بقي مصطلحاً غائماً بعض الشيء، وأمر غموضه يعود لغير سبب، أهمّها عدم الحسم، أو الجزم النهائي بتعريف المصطلحات، التي تتعدد الآراء في تعريفها، ومن ثمّ كان ثمة “لا نهائية” في التعريفات الكثيرة للمصطلح الواحد..
ومُصطلح “الأمن الثقافي” ظهر تقريباً مع ظهور مُصطلح آخر هو “العولمة” حتى بدا الأول أقرب لأن يكون مُضاداً للثاني.. والحقيقة أنّ مُصطلح “الأمن” تقدم أكثر من موضوع وليس الثقافة وحدها، مثل: الأمن الاجتماعي، الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي وغيره.. حتى بدت العولمة وكأنها الخطر الوحيد الذي يهدد الثقافة والمجتمع والاقتصاد وحتى السياسة، وبتقديري هذا غير دقيق أبداً، فما يتهدد كل ذلك أكثر من مسألة العولمة.
وبالعودة لـ”الأمن الثقافي” حيث يبدو تركيب المفردتين مُتناقضاً (الأمن – الثقافة) الأمن بما يوحي من إحجام وحتى انغلاق وتكتم، والثقافة بما توحي من تأثر وتأثير، وامتداد وانفتاح.. من هنا يبدو سؤال؛ ما هي الثقافة التي يجب أن نؤمن عليها؟! سؤالاً مشروعاً.
وفي تأمل السؤال، قد يكون الجواب يكمن في حماية المكتسبات الثقافية التي أنتجها شعبٌ ما، أفراد ومجموعات من معتقدات، وعمارة، وموسيقا، وفنون، ولغات.. هي مناحٍ ثقافية ميزت هذا الشعب أو الأمة بعينها، ومن ثم حماية ما سينتجه شعب هذه الأمة – أفراد ومجموعات – في الحاضر وفي المستقبل، ليصبح كل ذلك علامة أو ملمحاً ثقافياً يُضاف إلى جملة ملامح أخرى لهذا الشعب الذي تُميزه عن غيره خصوصية ثقافية له وحده، لأنها ببساطة تُمسي أحد مكونات الهوية لهذه الأمة، وهذا الشعب، وبتقديري يكون “الأمن الثقافي”– ولاسيما في الحالة السورية- بحماية ما أنتجه السوريون عبر أكثر من سبعة آلاف سنة من حضارة، وغربلتها مما ليس سوريّاً ولاسيما تنقيتها من “ثقافة” الشعوب الغازية لسوريّة العتيقة، فهنا كان أول حرف، وأول نوتة موسيقية، و أول لون، و أول زيتونة، و أول حقل قمح، أي إعادة ما تمّ تغييبه سواء بقصد أو عن جهل كل ما هو سوري من شعر وعمارة ورموز سرقها آخرون ونسبوها لهم ولاسيما من سورية في العصر الهلنستي، وكذلك بتوفير المناخ الملائم لإبداع السوريين اليوم بما يكمل ويُتمم ما أنتجه سوريو الأمس..
ومن هنا نُفسر في هذه الحرب الكونية على سوريّة؛ كيف كانت الهجمة للقضاء على كل الملامح السورية من أثار على وجه التحديد لأنها الملمح السوري المادي الذي بقي صامداً يُذكّر بما قدمه السوريون على مدى آلاف السنين.. لكن محنة المُصطلحات زوالها سريع، حيث يتم تداولها كموجة غالباً ما تتكسر عند صخور الشاطئ!!
هامش:
من
مساكب اللغة؛
سأقطفُ لكِ نعنعَ الكلام
و..أغنيه
من خلفِ أذنيكِ،
تماماً
كمن يبوحُ بسر!!