“أبو صياح… القبضاي”
لَم تكن مَشيته استعراضاً للقوة أو السطوة، لكن شيئاً ما في شخصية الراحل رفيق سبيعي 1930 – 2017، كان يُوحي بالثقة والمهابة اللتين لا تحتاجان عادةً إلى تعمّد إظهارهما، ولذلك حين رافقته كاميرا مسلسل “أيام شامية” مثلاً، يتجول في الحارة ويُلقي السلام على الجميع، انتابنا شعورٌ ما بأن “القبضاي” يستحيل أن يكون مُمثلاً آخر، غير “أبو صياح” الذي استلهمه سبيعي مما شاهده وعايشه في حي البزورية مسقط رأسه وما حولها في حارات الشام، وللسبب ذاته قلّما استطاع كاتبٌ أو مخرجٌ أو ممثلٌ، رسم شخصيةٍ مُختلفة لـ “الزعيم” و”العكيد” و”الزكرتي”.
مُناسبة الحديث عن فنان الشعب سبيعي، مُتجدِدة، مع أخبار الاستعداد لتصوير عدة أعمالٍ مما يُسمى دراما البيئة الشامية، والتوقع بأن التكرار والإعادة لما بات كليشيهات مُملة، حاضرٌ بقوة، لكنه من زاويةٍ ثانية، تأكيدٌ على أن المُنتَج القادم مما هو شعبي ومُتداول رغم تشويهه وتزويره، يحتفظ حتى اليوم بمكانة لدى المشاهدين، الذين تابع بعضهم ثلاثة أجزاء وأكثر من عملٍ، يكاد يشترك مع العشرات غيره في الحكاية والديكور واللهجة وما إلى ذلك، والسبب ربما شعوره بأن في تلك الأعمال خصوصيةً تعنيه، كما في فنونٍ أخرى ومُمارساتٍ يصعب حصرها كـ” الدبكة، الزغاريد، الحكواتي، مسرح خيال الظل، طقوس الأعراس، الطعام المُخصص للأعياد، الثياب بنقشاتٍ شرقيّة”.
يرى البعض أن ما قدّمه سبيعي ورفاق جيله، استند إلى الموهبة الخالصة في القدرة على إضحاك الجمهور وتسليته بتقليد الآخرين، إلى جانب الغناء وإلقاء النكات وخفة الحركة، مع شدة الملاحظة وسرعة البديهة، لذلك كانت لهم كاركترات مُحببة، تستقي مما حولها بذكاء وتُعيد تقديمه بحبٍّ وعناية، في حين إن ما كان ينقصها هو الدراسة الأكاديمية، التي لم تتوفر في ذلك الزمن، وربما كان من شأنها ترميم ما لديهم من ثغرات والاشتغال أكثر على قدراتهم وإمكاناتهم التي جعلتهم علاماتٍ فارقة في الدراما السورية والعربية، وعلى أي حال، الحديث بدايةً عن المُتوارث والمألوف شعبياً ثم البحث في تطويره وتهذيبه وتوجيهه يحتاج إلى تأملٍ ودراسة، لا تختلف عن حملات تحديد النسل واللقاح التي لم تكن مهمتها سهلة أبداً أمام قدسية التقاليد.