أقلام الاحتياجات
جاء تعبير ذاك الموجه التربوي لافتاً عندما دار بالمصادفة نقاش بحضوره عن صعوبة الأوضاع المعيشية، حيث تطرق بأسلوب اتسم بالطابع الرسمي الجاد -كما عادتهم- عما تسطره زوجته له من احتياجات، فهي تضع له ما بين خمسة وعشرة أقلام يومياً يستلمها بكل رحابة صدر متجنباً النقاش بشأنها كي لا يدخل معها بسجال قد لا ينتهي إلّا بمشاحنة هو في غنىً عنها، وخاصةً أنه ذاهب إلى عمله ولا يريد أن يصل متكدراً فينعكس ذلك سلباً على تعامله مع من حوله من زملاء ومراجعين.
وأردف؛ لكن ذلك لا يعني امتثاله لجميع الطلبات فهو ينظر مليّاً بالأقلام المسطرة ويفاضل بينها ويأتي بالأكثر إلحاحاً، وبشأن إدارة التعامل مع زوجته حين العودة للمنزل لن يعجزه إقناعها بمسوغات الأقلام المحذوفة، فهو ينهج أسلوباً لبقاً ويستعين بمذكرة تبريرية من قبيل: الوضع صعب.. ينبغي أن نتحمل.. كل الناس كحالنا.. الفرج قريب، وهي تنصاع مرغمة للأمر الواقع فلا خيار أفضل.
في الحقيقة، اعتبرت-وأظن من كان حاضراً معي كذلك- أن السيرة التي رواها الموجه كانت تربوية بحكم المهنة إزاء التفاهم حول أساسيات العيش التي باتت عصية المنال في ظل الارتفاع المهول والمتصاعد للأسعار ولا يستطيع كثيرون إتقانها، والرائج بمحيطنا عديد من قصص الخلافات بسبب عجز الأزواج عن تدبر أقل الاحتياجات وعدم تقبل الزوجات ذلك، والتي قد لا تنتهي إلّا بالمحاكم والطلاق الذي لم يعد مستهجناً أو محدوداً في ظروفنا.
على سيرة الأقلام؛ كثيراً ما يلاحظ أثناء مراجعة بعض المديريات بحث العاملين عن أقلام للكتابة، وقد يتبرع أحد المراجعين بقلمه لزوم تيسير وتسريع المعاملات، كما يتكرر مشهد من يجوب من الموظفين أروقة بعض المديريات بحثاً عن أوراق بيضاء لاستخدامها في تسطير أو تصوير بعض الكتب، ولن يفوتهم لتبديد استهجان المراجعين الحديث عن ضغط النفقات الذي لم تسلم منه حتى القرطاسية من مواعين ورق وأقلام وغيرها، وقد تسمع من موظفين عن حالة تسول مواعين الورق وغيرها من بعض الجهات الخاصة المتعاملة مع مديرياتهم لتغطية عجز القرطاسية، وعلى الشاكلة نفسها قد تجد بعض المعلمين يطلبون أحياناً من الطلاب والتلاميذ مساهمة أهلهم بتقديم أقلام كتابة على السبورة أو أوراق لطباعة الأسئلة لعدم كفايتها بالمدارس.
ما ننشده؛ أن تعيد الجهات الوصائية النظر بأولويات أقلامها، فيكون تحسين الدخل وتأمين احتياجات القطاعات الحيوية وعلى رأسها المدارس والمديريات الخدمية في مطلع سطورها.