مشهد شعري ملوّن
شيءٌ ما، بين التشكيل والقصيدة، رغم أنه للوهلة الأولى ربما يظن الكثيرون أنهما إبداعان مُتباعدان، يعود لاختلاف أدوات كل منهما، ولاختلاف الحامل للنتاج الإبداعي لكل من القصيدة أو اللوحة.
فلو أخذنا نص “الهايكو” الذي ينتشر كُتّابه بكثرة اليوم، فالهايكو هو هذا الشعر المشهدي ذو الإيقاع النفسي العميق، بمعنى الشعر القائم على اللحظة الوصفية التي تبدو بسيطة لكنها العميقة في الوقت ذاته.. الهايكو الذي يعود في منشئه إلى اليابان وإلى مؤسسه “باشو” (1644-1694م) والذي انتشر منذ مئة سنة في الكثير من الثقافات العالمية، ويعود الفضل في انتشاره عربياً للشاعرين السوريين المترجمين محمد عضيمة وعبدو زغبور، وهنا نذكر الهايكو للصلة بين الشعر والتشكيل، ذلك لأن قراءة مُتأنية للقول الشعري منذ قديم القصيدة – ربما تكون القصيدة أقدم ظهوراً من العمل التشكيلي، والعكس يصح أيضاً، فإن ثمة تبادل أدوار وحتى تداخل بينهما، فقد قامت القصيدة العربية التقليدية منذ عصور ما قبل الإسلام بمهمات الحالة البصرية التي يُمكن أن يُقدمها العمل التشكيلي، تلك القصيدة التي كان من أهم ملامحها الوصف، لقد كانت القصيدة العربية قصيدة مشهدية بالدرجة الأولى أكثر من البلاغة، بل الأخيرة كانت تكمن في هذه الحالة اللونية التي تُقدمها كحالة إخبار بالدرجة الأولى، وكان الوقوف على الأطلال الدراسة لمضارب الحبيبة ووصف تلك “الآثار” الشحيحة التي بقيت، والتي كانت تُفجر العواطف الجياشة للشاعر الذي هدّه الفقد برحيل المحبوبة شرطاً بقي طويلاً لمطالع القصائد العربية ربما بقي كذلك حتى مجيء الشاعر أبو النواس في العصر العباسي الذي خلخل تلك التقليدية في المطالع.
اللوحة بدورها تغتني بهذه الغنائية اللونية التي تفسح المجال بعيداً لحالة شعرية توسع من مشهدية هي غواية اللوحة والعمل التشكيلي بشكلٍ عام، واليوم فإن أي قراءة سواء في العمل الشعري أم في العمل التشكيلي؛ غالباً ما ينظر للملامح المشهدية في النص الشعري، والهايكو اليوم على سبيل المثال يقوم على المشهدية الخالصة، بالمقابل غالباً ما يتم البحث في القراءات الفنية للعمل التشكيلي عن الملامح الشعرية التي توسع من مجازاته وحمولاته الرمزية، وكثيراً ما تمّ إنتاج لوحات وأعمال تشكيلية تكون مُعادلة لنص شعري، والعكس صار أيضاً بأكثر من تجربة فنية.
وفي أعمال إبداعية كان المبدع واحداً بمعنى؛ فناناً وشاعراً في الوقت ذاته، وتجربة الفنانين الشاعرين: أدونيس، نزيه أبو عفش ليستا الوحيدتين في هذا المجال.
هامش:
نعنعُ شفاهكِ؛
كخطّ أفقٍ،
ما إن اقترب منه يبتعد..
لا يزالُ يُراودني
كسرابٍ يدعو بدوياً
ضلّ في الصحراء شهراً .