سعي أمريكي محموم لـ«إصلاح» مجلس الأمن
عبد المنعم علي عيسى:
تشهد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والسبعين التي افتتحت بجلسة موسعة يوم 20 أيلول الجاري تحركاً أمريكياً مسعوراً يهدف إلى “إصلاح هياكل الأمم المتحدة” و”إعادة تشكيل مجلس الأمن من منطلق التمثيل الجغرافي العادل” وفقاً للتوصيفات التي تستخدمها الدبلوماسية الأمريكية في تسويقها للأفكار السابقة، بينما المرامي البعيدة تتمثل في محاولة عزل روسيا، ولربما الصين لاحقاً، حيث سيصل السعي الأمريكي المندفع بقوة منذ اندلاع النار الأوكرانية، إلى ذراه عبر المشاورات التي أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع القادة والرؤساء على هامش مشاركة هؤلاء في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة آنفة الذكر .
مطلب إصلاح الأمم المتحدة مطروح قبل نحو عقدين، ففي الدورة 54 التي انعقدت العام 1999 طالبت كلٌّ من المانيا واليابان والهند والبرازيل بالحصول على مقاعد دائمة في مجلس الأمن بوصفها “قوى صاعدة” ذات وزن اقتصادي يجب أن يمنحها نظيراً سياسياً له، الأمر الذي تكرر بشكل أكثر تنظيماً قبل أيام عندما قال المستشار الألماني أولاف شولتز في كلمته التي ألقاها 21 أيلول الجاري: “من حق المانيا الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن”، وفي اليوم التالي قال مندوب اليابان الدائم لدى الأمم المتحدة كيمهيرو اشكين: “إن اليابان يمكن النظر إليها على أنها قوة موحدة لمجلس الأمن المنقسم في كثير من الأحيان”، ثم جاء دور الداعم الأمريكي لذينك الطرحين عبر مندوبة الولايات المتحدة الدائمة توماس غرينفلند التي قالت: “إن أي دولة عضو دائم في المجلس تمارس حق النقض « الفيتو» للدفاع عن أعمالها العدوانية تفقد السلطة الأخلاقية، ويجب أن تتم محاسبتها”.
تصريح غرينفلند آنف الذكر كافٍ لتكشف المرامي الأمريكية، وكافٍ أيضاً لتفسير الزخم الذي تتمتع به حملة “الإصلاح” التي تشهدها الدورة 77 راهناً، والتي تختلف كثيراً عن نظيرتها التي جرت العام 1999، فالمتغيرات بين الاثنتين كثيرة ، والأهم منها هو الجموح الروسي الرامي لإسقاط التفرد الأمريكي في الهيمنة على العالم على “الحلبة” الأوكرانية.
دعوة الولايات المتحدة لـ”إصلاح” مجلس الأمن تحت رداء “الأخلاق” التي تحاول واشنطن تسويقها اليوم، ما تشير إليه كلمات غرينفلند سابقة الذكر، تثبت أن السياسات التي تتبناها الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن “الشعارات” التي كانت -ولا تزال- ترفعها، وأن زئبقيتها تتيح لها ممارسة الشيء وضده بفاصل زمني صغير وكأني بها تراهن على أن ذاكرة الشعوب مثقوبة، أو هي تعاني من ضعف لا يعينها على استرجاع شريط من “الفيتوات” التي استخدمتها على مدى يزيد على خمسة عقود لحماية “إسرائيل”، ولا يجعلها تتذكر أنها مارست ضغوطاً على دول عديدة بغرض تمرير قرارات تتيح استباحة العراق التي جرت في مرحلتي بوش الأب 1991 و بوش الابن 2003، أو أن “كرت ذاكرتها” من الضيق بحيث إنه لا يتسع لما فعلته العام 1999 في يوغسلافيا عندما ذهبت إلى قصفها وإسقاط النظام القائم فيها من دون أن تطلب الإذن من مجلس الأمن الذي كان يصح توصيفه آنذاك بـ”مجلس أمنها”، ولا يتسع، “كرت الذاكرة” أيضاً لأرشفة غزو الناتو لليبيا العام 2011، ولربما كان قول وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور: “إن من النفاق انتقاد نظام حق النقض فقط بسبب استخدام روسيا له”، كافياً لرصد جزء من الصورة، وإن كان غير كافٍ لإظهارها بشمولية تبدو مطلوبة.
نشأت منظومة الأمم المتحدة وشريعتها، بما فيها مجلس الأمن ، كنتيجة للمآلات التي انتهت إليها الحرب العالمية الثانية، وسيكون من الصعب على أي قوة مهما بلغت تعديل تلك التركيبة قبيل أن تتضح المآلات التي ستفضي إليها حرب عالمية ” ثالثة ” الكل يتحاشاها لأنه موقن باستحالة الانتصار فيها.