جمال لكل زمان

هل لكل مرحلة زمنية جمال خاص بها؟ لا أعتقد أن الإجابة عصية على أحد، لكن بعضنا يتوهم أنه وحده من يمتلك الإجابة، حين يفاضل بين مرحلتين زمنيتين متباعدتين، من دون أن ينتبه لما هو إيجابي، ولما هو سلبي، في كل مرحلة. فهل يمكننا القول إن الأدب عموماً في بداية القرن العشرين أفضل منه حالاً في نهاية القرن ذاته؟ أو إن الأزياء للجنسين في مرحلة ما هي أجمل مما قبلها أو مما بعدها؟ أو إن الموسيقا والغناء في بداية القرن أفضل حالاً منه في أواسط القرن ذاته، أو إن الفن التشكيلي الذي بدأ كرسومات على جدران الكهوف هو أجمل أو أفضل من رسومات فناني عصر النهضة الأوروبية وما بعدها؟. إلى آخر هذه المفاضلات التي يفترض ألّا تخطر في بال عاقل يعرف كيف يميز ما الذي أنجزه الإنسان على مرّ الزمن وكيف تنوعت وتعددت أشكال الحياة بمظاهرها بما فيها الفنية والأدبية، تبعاً للتشكيلة الاجتماعية الاقتصادية التي مرت فيها البشرية.

فثمة ظروف موضوعية تتوافر تساعد على إنتاج أعمق وأكثر تعدداً وتنوعاً وتطوراً، رهناً بالأرضية أو التربة الاقتصادية والعلمية والسياسية والثقافية عامة، ورهناً أيضاً بثقافة كل مبدع وقدراته الذهنية خاصة. فلو تأملنا طباعة الكتاب التي بدأت بالنسخ اليدوي لاستهجنا كيف كان يفعل الإنسان ذلك إلّا أننا ورغم كذب أصحاب دور النشر، نحن في عصر تطور الطباعة التي تسمح لنا بإعادة طباعة أي كتاب بأقل تكلفة، ومع ذلك نحن نهلل لكتاب بخط اليد ونحتفي به، رغم أنه بحوزة هذا المتحف أو ذاك، سواء كان قد خضع للتحقيق والنشر بالوسائل الحديثة أم تم اكتشافه حديثاً، نهلل وندقق النظر في كل تفصيل فني فيه بعينٍ مُغرمة، وقد يحاول البعض منا تقليدها لإضفاء جمال تراثي على كتابه الجديد.

ما يهمنا دائماً كيف كانت تتعامل الناس مع كل منتج من الناحية النفعية أو الجمالية، إذ لا يمكننا المقارنة أبداً مع ما هو متوافر اليوم بالقدر الذي لا يمكننا مع ما قد يتوافر في السنوات المقبلة، فالمفاضلة ليست صائبة، فلكل زمان جمال فيما يُنتج فيه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار