نِصفُ الجمهور 

تتحوّل حكاية “المرحومة هاجر خانم”، في حلقةٍ قدمها مسلسل مرايا عام 1998، إلى لعنةٍ تتلبس كاتبها بعد أن كانت سبباً في شهرته، حين يفشل في كتابة ما هو أفضل منها، إلى أن يضطر للنشر تحت اسمٍ مُستعار، وعندما تُثمر جهوده بعد أشهرٍ عن حكايةٍ جديدة قادرة على مُنافسة السابقة، يُسارع إلى تمزيق أوراقها، خشية أن تُلاحقه لعنةٌ جديدة، تفرض عليه إبداعاً مستمراً، يرضى عنه الجمهور الذي لن يقبل مجدداً بمستوىً أقل، كأنّ الكاتب في سباقٍ لا ينتهي، مطلوبٌ منه أن يقفز بلا توقف، ولو سوّلت له نفسه استبدال القفز بالمشي، سيجد نفسه خارج المضمار.

يذهب البعض للتعاطي مع فكرة عدم القدرة على الكتابة أو عدم القدرة على كتابة ما هو مميز، على أنهما مشكلتان يمكن علاجهما بالمشي والرقص وتناول المهدئات، إضافةً إلى غسيل اليدين المتكرر والنوم لما لا يقل عن 6 ساعات يومياً مع الابتعاد عن الأحاديث المملة وضجيج الشارع والتلفزيون، لكنّ آخرين يرون في الأفكار سجناء يحاولون الهرب كلّما سمحت لهم الفرصة، لذلك لا بدّ من تشديد الرقابة عليهم، بالورقة والقلم، أي بتدوين ما يخطر على البال عند الاستيقاظ مثلاً، ومن ثم أثناء اختيار الثياب المناسبة ليوم عملٍ طويل، وما يليها إذا ما صادفنا جاراً حشرياً أو قطةً تخلّت عنها أمها، وهكذا، لتكون النتيجة قائمةً غير مُتوقعة من الأفكار والاقتراحات القابلة للحذف والتطوير.

وعلى كثرة الحلول والأمثلة المطروحة لتجاوز حالة الاستعصاء، يبدو السعي المُسبق لإرضاء القرّاء إشكاليةً تجعل من أي فكرةٍ ستُكتب، موضع شكٍ وحيرة، فالمواضيع الجدلية صباح اليوم، ستفقد جزءاً كبيراً من قيمتها بحلول الغد، مع ظهور أخرى أكثر جدة، تساير الأحداث والمستجدات والأذواق المتبدلة من حولها، عدا عن أن الضجة والصمت المُرافقين لإصدار كتابٍ أو أغنيةٍ أو فيلمٍ، يستندان إلى خطةٍ وأفكارٍ وتنازلاتٍ، إضافةً إلى دعايةٍ وتسويقٍ وبهرجةٍ، بمعنى أن تَصَدُّر المشهد ليس إلّا عملية تخطيطٍ محكمة، أما النجاح فله توصيفاتٌ كثيرة، أحدها ما يقوله الموسيقي النابغة ديمتري شوستاكوفيتش “: يأتي النجاح الحقيقي حين يُجادلك الناس حول عملك، حين يكون نصف الجمهور مبتهجاً، والنصف الآخر جاهزاً لتمزيقك”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار