“مسرح أوبرا الفضاء”
“تجويفٌ كبيرٌ ينفتح في السماء أو آلة على شكل كبسولة”؛ أسلوبان لجأت إليهما رواياتٌ في الخيال العلمي وأفلامٌ سينمائية لتقديم فكرة الانتقال والسفر عبر الزمن، ربما كانا يتكئان بشكلٍ ما على “الشبابيك” و”الأبواب”، للإيحاء بأن عوالم أخرى ستظهر بمجرد العبور، وعلى أن الفرق يبدو كبيراً جداً بين الخطوات المحدودة والقفزات الكبيرة، إلّا أن “التجاوز” زماناً ومكاناً، جاء هذه المرة صادماً، ليس لأنه يبني على مفهوم الدائرة الضخمة المفتوحة في جدارٍ ما مجدداً بل لأنه يُدخل برامج ذكاءٍ اصطناعيٍّ مُبهرة فيها، من دون أن يكون اكتشاف ذلك أو مُلاحظته ممكنة، من المتفرج العادي غير المختص بدايةً، ومن ثم الخبير في الفنون الرقمية، إذ إن اللوحة التي فازت في مسابقةٍ للفنون الجميلة أقامتها ولاية كولورادو الأمريكية مؤخراً، تفوّقت على 21 عملاً فنياً من فئة “التصوير الفوتوغرافي الذي تم التلاعب به رقمياً”.
ومن المفارقة أن صاحب اللوحة “جيسون ألين” 39 عاماً، ليس فناناً إنما خبير في علوم الكمبيوتر، أراد أن يُثبت نفسه أمام مئات الخبراء في هذه التقنيات، لأن الأمر كما نُقِل عنه لا يقتصر على توافر برامج وتطبيقات حديثة، إنما يحتاج ذكاءً ودرايةً في التعاطي معها، تماماً كما فعل حين خطر له موضوع لوحته “مسرح أوبرا الفضاء”، واستخدم لأجله برامج متطورة تُنشئ الرسوم من الكلمات الموجودة في مربع للنص، فطلب منها رسم امرأةٍ ترتدي ثوباً مُكشكشاً من العصر الفيكتوري، مُضافاً إليه خوذة الفضائيين، وواصل ضبط المُطالبات والاختبارات لعمل مشهدٍ ملحميٍّ حقاً، كأنه حلم، وكانت النتيجة مُبهرة فعلاً في الفكرة والشكل، تُؤكد وتنفي مفهومين مُتداخلين؛ الأول يزعم أن الذكاء الاصطناعي أداة، تشبه الألوان والفرشاة، تفقد قوتها الإبداعية بغياب الإنسان، والثاني يُثير سؤالاً مُرعباً :”هل بإمكان الذكاء الاصطناعي منافسة الإبداع البشري، وما الذي سيتبقى لنا بعد ذلك؟”.
المُضحِك في الأمر، والجميل أيضاً، أن الطرق الفنية الجديدة ستُلغي الكثير مما بدا ثابتاً وطبيعياً في الفنون، بمعنى؛ إن دائرة التجريب ستبدو بلا حدود، يُمكن لأيٍّ كان أن يصنع لوحته وفيلمه وموسيقاه، بلا حاجةٍ لدراسة فرعٍ أو تخصصٍ مُحدد، وشيئاً فشيئاً سيصبح الكلام عن “النخبة” و”الجماهيرية” و”المدارس” مُتأخراً عن عصره، وعلى ما فعله صاحب اللوحة ذات المعاني المُتعددة، لن يبقى لنا إلّا الخيال، نحن نتخيل والذكاء الاصطناعي يرسم ويكتب ويُؤلّف.