النفاق الغربي.. أقماح أوكرانيا ما بين الفقراء ومواشي الأغنياء

تشرين- ميشيل كلاغاصي:
لطالما أظهر الغرب براعته في النفاق, وأطلق وحشيته وأطماعه الاستعمارية, تحت عناوين وشعارات براقة كالحرية , وحقوق الإنسان , وبرامج المساعدات الإنسانية, ومحاربة الفقر والجوع , ومساعدة الدول الفقيرة. كذلك شكلت شناعة مخططاتهم للنيل من حرية الشعوب واستباحة بلادهم والسطو على مقدراتهم وثرواتهم , مصدر “إلهامهم” لإنتاج سياساتٍ لا أخلاقية مزدوجة المعايير, تهتم بإظهار أناقة الغرب ووجهه الحضاري وإنسانيته, بينما تُخفي وراء أقنعتها, كل ما يُخزي الجنس البشري , من شبقٍ دموي وهمجي متوحش لا يعرف الرحمة , لكنه يعرف كيف يسرق اللقمة من أفواه الشعوب , بهدف ضمان الحفاظ على مستوى الرفاهية والراحة التي يحتاجها “المبدعون” لإنتاج المزيد من مخططات الشرّ, وديمومة سير المعادلات “القاتلة” باتجاهٍ واحد. لقد خططوا لآلاف المؤامرات الدنيئة, وأنتجوا مرجعياتٍ ونصوصاً قانونية أممية مخادعة , وأخرى لا قانونية ولا شرعية , لحصار الدول والشعوب, ومعاقبتها, واستباحة حدودها وأراضيها , وسرقة ثرواتها, وسط تصفيق نخب المستفيدين, وداعمي الحروب العسكرية والاقتصادية وحروب الطاقة والغذاء , وحروب الأوبئة والأمراض والجوائح الاصطناعية وحروب التحكم باللقاحات.
مخططات قديمة جديدة ومستمرة , ابتدعت مؤخراً حرباً في ظاهرها تستهدف الدولة الروسية فقط , لكنها في جوهرها استهدفت أوكرانيا أيضاً, وعموم دول القارة الأوروبية , وكافة دول العالم التي ترفض الهيمنة الأمريكية والقطبية الأحادية , وأنتجت على هامش الحرب العسكرية , أزماتٍ حقيقية , استطاعت نسف استقرار إنتاج وتوريد الطاقة , وأوقعت أوروبا والعالم في فخ العوز والفقر وشح الموارد الغذائية والطبية, نتيجة سياسة العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها واشنطن وقادة الدول الأوروبية . وكانت من أهم الصفحات القذرة لهذه الحرب, منع أوكرانيا من تصدير ملايين أطنان الأقماح المخزنة في مستودعاتها وتوجيه اللوم والتهمة للدولة الروسية , وحصارها العسكري لبعض الموانئ الأوكرانية , لكن الحقيقة أظهرت عكس ذلك , وأن حكومة أوكرانيا المتطرفة قد حاصرت نفسها بنفسها , وزرعت الألغام البحرية من حولها , لإحراج موسكو وتشويه سمعتها وقادتها , ومضاعفة مشاعر الكراهية تجاهها. وبفضل الحكمة الروسية , استطاعت موسكو إنتاج الحلول , عبر تنظيم اتفاقياتٍ برعايةٍ تركية , لمعالجة مسألة إمدادات الغذاء والأسمدة , وكذلك لتصدير الحبوب من موانئ البحر الأسود الخاضعة لسيطرة كييف , بهدف معالجة أزمة الغذاء في البلدان النامية والفقيرة على وجه السرعة. وفي هذا الشأن , أكد مدير برنامج الغذاء العالمي ، ديفيد بيسلي ، في 21 آب، بأن سفن الحبوب الأوكرانية ستحل مشكلة وصول إلى الغذاء في جميع أنحاء العالم ، وستعمل على تحسين الوضع في الصومال وإثيوبيا وشمال كينيا والعديد من الدول , وخصوصاً تلك الأشد فقراً وحاجةً. وبتأكيد صحيفة دير شبيغل الألمانية في 2 أيلول , أنه على الرغم من أهداف الأمم المتحدة المعلنة بمكافحة الجوع ، فإن 63 سفينة غادرت الموانئ الأوكرانية , منها 13 فقط كانت تحمل القمح , في حين حملت السفن المتبقية محاصيل فول الصويا وعباد الشمس والذرة ، وهي محاصيل تستخدمها أوروبا في أغلب الأحيان علفاً للحيوانات أو لإنتاج الوقود الحيوي , في وقتٍ عبّر فيه مدير إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية الروسية ، في 18 آب ، عن دهشته لقيام 16 سفينة بحمولة 535 طناً من القمح والأعلاف بالاتجاه نحو الدول الغنية ( بريطانيا , فرنسا , كوريا الجنوبية ) التي لا يهددها الجوع , لكنها بحاجة إلى الأعلاف لمواشيها. مسؤولون روس آخرون تحدثوا عن هذا الموضوع , كـ ميخائيل أوليانوف ، الممثل الدائم لروسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا ، كذلك فعل فاسيلي نيبينزيا ، الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة ، في 23 آب في اجتماعٍ لمجلس الأمن حول النزاعات والأمن الغذائي ، وتحدث عن مغادرة سفينة واحدة باتجاه إفريقيا من بين 34 سفينة أخرى محملة بالحبوب , وأشار إلى السفينة التي وصلت إلى لبنان والتي حملت الذرة ( العلف) على عكس ما انتظره اللبنانيون بأن تحمل القمح إليهم , وأعاد التذكير بكلام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 19 أيار بأن: “حوالي 49 مليون شخص في 43 دولة مهددون بالمجاعة , وأن حوالي 140 مليون شخص في 10 دول يواجهون نقصاً كبيراً في المواد الغذائية.

كذلك اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 7 أيلول بكلمة بالجلسة العامة لمنتدى الشرق الاقتصادي في مدينة فلاديفوستوك الروسية , الدول الغربية “بالتسبب في ارتفاع أسعار سوق الغذاء وبالتالي تفاقم أزمة الغذاء لدى الدول الفقيرة ، نتيجة استحواذ الأوروبيين على أغلب صادرات الحبوب الأوكرانية , وأن “3% فقط من كميات القمح التي خرجت من أوكرانيا ذهبت إلى الدول الفقيرة والبقية إلى الدول الغربية”, وحذر من محاولة استبعاد موسكو واستحالة عزلها من الساحة العالمية , كما اتهم بوتين الأوروبيين بمواصلة العمل “كمستعمرين”، وأوضح أنهم مستمرون في “خداع الدول الفقيرة” , مضيفاً: “حمى العقوبات في الغرب تهدد العالم بأسره” , وإنه سيفكر في “الحد من تصدير الحبوب والمواد الغذائية من أوكرانيا بعد استشارة الرئيس التركي” , الذي أيد من جهته ما أعلنه بوتين حيال تصدير الحبوب إلى الدول الغنية دون الفقيرة. وعلى الرغم من فضيحة الدول الغنية في الحصول على الأقماح والمواد الغذائية على حساب الدول النامية والفقيرة , لا يزال الإعلام الغربي مهتماً بتوجيه اللوم إلى روسيا والعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا , في وقتٍ أكد فيه تشانغ جون ، الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة ، في اجتماع مجلس الأمن الدولي في 19 أيار 2022 ، أن “الأزمة الحالية تقع على عاتق المشكلات الهيكلية للنظام الغذائي العالمي , وتركيز إنتاج الغذاء في عدد محدود من الدول , في حين ترى موسكو أن الدول الغربية تثير أزمة غذاء عالمية من خلال فرض القيود على روسيا , بهدف تعطيل الآليات الروسية لتوريد الحبوب والأسمدة إلى دول العالم , التي كانت تزود بعض دول الشرق الأوسط كمصر والسعودية وسورية سنوياً بأكثر من 20 مليون طن من المحاصيل ونحو 11 مليون طن من الأسمدة. بات واضحاً أن عواصم الشر في “العالم الغربي المتحضر” تخطط للحروب وتفتعل الأزمات من أجل تحقيق غاياتها وأطماعها ومضاعفة مكاسبها , من دون أن تأبه للأزمات والتداعيات التي تنشأ وترافق مشاريعها المتوحشة , وتسعى تحت العناوين المزيفة للحرية وحقوق الإنسان وما شابه , لحل مشاكلها الغذائية على حساب الدول الفقيرة, ويتظاهر قادتها في مجموعة الدول السبع ( G7 ) بالاهتمام بشعوب البلدان الفقيرة ، وبإنقاذهم من الجوع , فيما تتكفل وسائل إعلامهم بإخفاء حقيقتهم وإجرامهم , وبتحويلهم إلى “أبطال” يستحقون تخليد أسمائهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار