«تراثنا والجمـال» كتابٌ يمتّعنا ثقافياً ومعرفياً وجمالياً
نضال بشارة:
سعى الشاعر والناقد الدكتور”سعد الدين كليب” في كتابه الصادر حديثاً “تراثنا والجمال: مختارات من الفكر الجمالي القديم” عن دار التكوين بدمشق، إلى غرض معرفي وثقافي في المقام الأول، يقول كليب ” إننا نريد أن نعرف كيف كان أسلافنا يشعرون بالجمال، وكيف يفكرون فيه، وما أغراضهم منه وما أحلامهم فيه، وما أنواعه لديهم وأشكاله، وكيف يميزون بين الجميل والقبيح، أو كيف يفرّقون بين الجميل والجليل، وما اللذائذ والمسرات عندهم، وكيف فكّروا بالأذواق المختلفة والفنون المتعددة، وما أفاعيل الفن وأغراضه، وما علاقته بالفرد والمجتمع…إلى آخر تلك السلسلة من الأسئلة التي تحدد الإجابة عنها بنمط التفكير الجمالي والمعرفي عامة”. كما سعى في كتابه إلى إنصاف تراثنا، مشيراً إلى “أن معرفة هذا هو في ذاته غرض الأغراض بالنسبة إلى الأبناء والأحفاد تجاه آبائهم وأجدادهم. إنه واجبهم المعرفي تجاه تاريخهم، حتى لو كانوا على قطيعة معرفية أو ثقافية معه”. وهذا ما يفسر لنا مجيء المختارات من مجال فني جمالي، مما هو داخل في نظرية الفن، ومن ثم في نظرية علم الجمال العام. فتوزعت المختارات على خمسة أبواب ( تحديدات وأوصاف، في نظرية الجمال، في نظرية الفنون، في المتعة الجمالية، في تاريخ الذوق). فالباب الأول ذو طبيعة لغوية جمالية، وفق كلام المؤلف، بوصف اللغة فلسفة جمالية متعالية، ولو شكلياً، على ما هو تاريخي مؤقت، والباب الثاني يدخل في الذوق بوصفه وعياً جمالياً عملياً ذا طبيعة تاريخية مؤقتة، أما الأبواب الثلاثة المتبقية فتدخل في الفكر الجمالي- النظري المحكوم بالأنظمة المعرفية المهيمنة في الحضارة العربية. وتحت عناوين: في الكائن الجمالي، الوعي والفن، الوعي والأسطورة، الوعي والأدب، الوعي والفلسفة، الفكر الجمالي في الحضارة العربية-الإسلامية، الأنساق الجمالية- المعرفية، في المنظومة الجمالية العربية. كان قد مهد المؤلف كليب لتلك المختارات بشكل مستفيض، تمهيداً أساسياً لا ينفصل عن تلقي تلك المختارات لتاريخ الوعي الجمالي. كما رأى المؤلف كليب أن لا غرابة في أن نذهب إلى تعريف الإنسان بأنه كائن جمالي، تماماً كما أنه كائن اجتماعي. بل إنه كائن جمالي بقدر ما هو اجتماعي. وقد لا نستطيع التحدّث عن اجتماعيته بمعزل عن جماليته، كما لا نستطيع أيضاً أن نتحدّث عن جماليته بمعزل عن اجتماعيته. ولا تبدو جماليته في إنتاج الفن – بأنواعه وأجناسه الكثيرة- أو الاحتفاء به فحسب، وإنما تبدو كذلك في أوجه النشاط الاجتماعي المختلفة بين البشر من جهة، وبينهم وبين الطبيعة من جهة أخرى، بل إنها تبدو أولاً في “إنتاج” الحياة وفق قوانين الجمال المرعية والمشخّصة تاريخياً.
ونشير إلى أن المختارات التي ضمها الكتاب هي مقتطفات من كتب لمؤلفين كثر منهم: عبد الكريم الجيلاني، لسان الدين ابن الخطيب، ابن الدّبّاغ، محيي الدين ابن عربي، أبو هلال العسكري، ابن قيّم الجوزية، الجاحظ، الكندي، ابن خلدون، إخوان الصفاء، ابن سينا.
وقد رأى المؤلف تحت عنوان (الفكر الجمالي في الحضارة العربية-الإسلامية) أن الجاحظ والكندي يمكن عدّهما رائدي التفكير الجمالي، ولاسيما في مبحث الجمال ومبحث الفن معاً. فمع الجاحظ والكندي أصبح في الإمكان الحديث عن نظرية في الجمال والفن ذات أسس عامة، تستند إلى الخبرة والمعرفة النظرية والمعالجة العقلية، أكثر مما تتكئ على الانطباعات الذوقية والتعبيرات الإنشائية والأحكام غير المعللة، كما كان سائداً قبلهما في الأعمّ الأغلب. أمّا الفكر الجمالي- النظري فسوف يتشكل مع مطلع القرن الثالث للهجرة، وسوف نشهد النظرات الكلامية والفلسفية لما هو جميل وقبيح وجليل خاصة، مثلما سوف نشهد التنظيرات النقدية الأدبية والفنية الموسيقية، وقد صيغت بلغة اصطلاحية تجريدية، أو صيغت بنظرة منطقية منهجية، تأخذ في الحسبان علاقة الجزء بالكلّ، أو علاقة البسيط بالمركب، أو الحسيّ بالروحيّ، كما تقوم على نوع من الإحصاء والمقارنة والتأويل، مما نجده لدى رائدي هذا الفكر الجاحظ والكندي.
أخيراً، يذكر أن الكتاب كان قد صدر عن دائرة الثقافة في إمارة الشارقة في طبعته الأولى عام 2017.