اتجاهات!
في التشكيل؛ ثمة اتجاهات تُعنى بالجانب البصري فقط، يجدها الفنان السوري المعروف خُزيمة علواني؛ أنها أقل أهميةً من تلك التي تهتم بالدراما الإنسانية إلى جانب الاهتمام بالجانب البصري..
وبرأي علواني؛ فإنَّ الفن يكمنُ في الجمع بين هاتين المسألتين، وهو موقفٌ من الحياة، وموقفٌ من الأحداث والصراع الإنساني.. من هنا فإنّ التجريد برأيه يفتقدُ اللمسة الإنسانية، والدراما الداخلية، لكنه مُفيدٌ على صعيد إغناء سطح اللوحة كخلفيةٍ لأعمال فيها دراما إنسانية.. ورغمَ أنَّ الكثير من التشكيليين؛ يحتجُّ على خلط التجريد بالتجسيد، ذلك إما أن يكون تجريداً صرفاً، أو لا تجريد.. غير أنَّ أكثر من فنانٍ تشكيلي؛ ذكر لي بما يشبه “البوح”؛ أن انطلاقته “التجريدية” كانت أشبه بـ”الخدعة”، يقفز من خلالها داخل الوسط الفني بلا مشقةٍ من خلال طرحِ نفسهِ “ما بعد حداثوي”.
فالتجريدُ؛ لم يصلْ إلى السقف منذ عقودٍ طويلة فحسب، بل من “السقف” أصلاً بدأ التجريدُ مشوارَهُ منحدراً باتجاهِ القاع، وليس العكس، وليس لكونه تجريداً محتوماً عليه السقوط، فالتجريدُ؛ هو إحدى أرقى الحالات الذهنية، ولكن رفض الـ”ما بعد حداثة” الاعتراف بثنائية (جوهر – شكل) المتصارعة بإقصائها لمفهوم جوهر الأشياء وتركيزها على تجريد الشكل؛ جعلَ الأمرَ عبثياً، وذلكَ لأنّ الجوهر – المحتوى- لا يوجدُ خارجَ الشكلِ، ولا يوجدُ بينهما حدٌّ مُطلق، وهما في الوقتِ نفسهُ ناحيتان مختلفتان في الشدّةِ والقوةِ المُحركة للتطور، والتي تكمنُ في لحظاتِ تلاؤم الشكلِ مع المحتوى، وعلى العكس مثلاً، فالشكل، يتحوّلُ إلى عالمِ لجمِ التّطور حينَ يكون سبباً في تفاقم التناقض، فما بالك إذا كان شكلاّ لـ”لا شيء”.
منذُ زمنٍ بعيدٍ، انتبه المبدعون العرب القدماء إلى حدٍّ كبير لمسألة (المجرد والمحسوس)، ولاسيما فيما يخص موضوع الزخرفة، فالتجريد العربي القديم حاولَ أن يُعادلَ المجردات بمحسوسات، وذلكَ من مفاهيم وغيرها، سواء جاءَ ذلكَ باللونِ، أم بالشكلِ، والخطوطِ، والكتلِ، لجهةِ اللوحة والتشكيل بشكلٍ عام، أو الاعتماد على ما وفرَهُ المجازُ في الشعرِ والكتابةِ، وليسَ اختصار المحسوسات واختزالها إلى تجريد، أو تجريدها إلى ألوان فقط، مع إن التجريد –كما يراهُ الكثيرُ من التشكيليين- ينأى بنفسه عن السقوط في خدع وأحابيل البصريات، كنوعٍ من التحليق في فضاءات اللاوعي لإدراك كنه الأشياء، فللأشياء ماورائيات تتماهى مع ماورائيات الوجود، وتحتاج سرعة عقلية تنفذ من جدار البوح الى عوالم قائمة بذاتها ولا تحتاجُ إلى الأثافي، وتنعدمُ فيها لغة التعاطي الإنساني لتحلَّ مكانَها لغةُ الأشياء وتجلياتها في اللاوعي.
هامش:
سيظلُّ السّياجُ عالياً،
والياسمينةُ
تعبرُ هوّةَ الجرح..
حولي يتطاولُ كلُّ هذا،
والبهو
فارغٌ تماماً..