مُتكئٌ على حُلُمٍ

لم يكن تأسيسُ جوقةٍ أو كورالٍ مُجرّد هدفٍ سعى إليه “حسام الدين بريمو” 1962 – 2022، بقدر ما كان وسيلةً على هيئة دعوةٍ مُصّغرة ومُكثفة للتعاطي مع الآخر المُختلف عنا بشكلٍ لا يُصعّد الاختلاف إلى خلاف، لذلك رأى في “مشروع لونا” للغناء الجماعي بحثاً عن كتلة مواطنين صالحين قبل أن يكونوا موسيقيين، ولهذه الرؤية التي بدت لي غير مُواتية للظروف حين التقيتُه عام 2012، لا يمكن تقييم مُنتجِه الفني كما نفعل مع غيره، يكفي رفضه أفكاراً عن الاعتكاف والانعزال، مُفضلاً السير في طريقٍ مُغاير، أملاً في الوصول إلى الغاية المرجوّة ذاتها، مُتكئاً على حُلُمٍ لم يقعد عن العمل لأجله إلّا ظهر أمس.

راهن بريمو في جوقاته الخمس على أن البحث عن النجومية الأُحادية حالة لا يعترف بها مُغنو الفِرق، رغم عدم تعارضها بالضرورة مع فكرة تجاوز الأنا ليكون الفرد جزءاً من كُل، وحين سألتُه عن الجدوى التي لا تبدو قيّمة أمام الشهرة التي يُحققها الظهور الفردي للفنان، كان تأكيده أن الغناء الجماعي لا يؤخر المغني الفردي بل يضيف له شيئاً آخر، لذلك “تبحث (لونا) عن تعليم الإنسان كيف يكون جزءاً فعّالاً في مجموعة، ولا تحرمه فرادته في التميّز لكن تبعده عن الفردية في عدم إشراك الآخرين أو الاشتراك معهم في البناء الجماعي سواء كان وطناً أو كورالاً”.

قدّم الموسيقي توليفاتٍ ومقطوعاتٍ موسيقية قِوامها أبحاثٌ ودراسات للإرث الفني الهائل في المنطقة، من هنا ربما، آمن بأنه لا أحد يملك إمكانية الرفض أو القبول بتجديد التراث أو حفظه، ولهذا السبب أيضاً كان موقفه واحداً من الفكرتين، رأى الفرق بينهما كما بين المتحف والشارع، في الأول تتأمل كيف كانت الأشياء قديماً، وفي الثاني ترى كيف أصبحت بمرور الزمن، ولا خطأ في كليهما، مادام تدوين التراث والموسيقا قائماً، بما يضمن حفظهما للأجيال القادمة حرفياً لتبني عليها بدورها.

يكثر الكلام في مشوار المايسترو وآرائه ورُؤاه، ويصعب إيجازه في سطور تُوازي الجهد والإيمان اللذين عمل بهما، ونقرؤهما اليوم في كلمات طلابه وزملائه ومُستمعيه يُودعونه إلى مثواه الأخير، ولا نملك إلّا أن نتذكر حرصه على صنعِ البهجة أينما كان.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار