«رحّبي- رحّبي»
الأب حسن سليمان الطبرة:
جدّة تسكن بالقرب من أبنائها البررة بها وبالمرحوم والدهم، الذين اهتموا ويهتمون بها هم ونساؤهم وأبناؤهم طالبين رضاها والدعاء لهم بالتوفيق.
هذه السيّدة تعوّدت -منذ أن كان المرحوم زوجها منور ماهر على قيد الحياة- أن تسكن مستقلّة في بيت الزوجية الذي ولدت فيها أبناءها وبناتها وربّتهم وعلّمتهم وهذّبتهم إلى أن تزوجوا واستقلّ كلّ منهم مع أسرته، ليزوروها مجتمعين أو فرادى أو يدعونها إلى بيوتهم.
منذ مدة قصيرة اتصلت بها كنتها زوجة ابنها الأصغر راجية منها أن تزورهم، فما كان من الأم إلا أن أعدّت مستلزمات الزيارة التي قد تكون طويلة أو قصيرة، والتي يفرضها الوضع الصحي للسيدة الوالدة التي احتاجت مؤخراً لتركيب بطارية لقلبها.
ما كان من تلك الأم إلا أن يمّمت شطر بيت ابنها الذي لا يبعد كثيراً عن بيتها، وعند وصولها باب دار ابنها لمحتها ابنتهم الصغرى التي ركضت مستقبلة جدّتها ومقبّلة وجنتيها ويديها وصارخة بأمها بأعلى صوتها «رحّبي- رحّبي»، ما لفت نظر الأم التي أسرعت مرحّبة بحماتها ومهلّلة بقدومها مؤهلة ومسهّلة.
ذلك حدث في الأشهر الأخيرة في قرية تتربع في إحدى الجهات الشرقية لسهل حوران واسم القرية «بصير».
أما الطفلة فهي «ليليان»، عمرها سبع سنوات، والدها المهندس غسان ماهر ووالدتها السيدة آمال النصر.
أما جدّتها التي اغتبطت من هذا الترحاب النوعي المتميّز فاسمها السيدة شمسة خزعل، أرملة المرحوم منور ماهر؛ وهبها الله الصحة وطول العمر بعد مساعدة دقات قلبها النابض بالدفء والمحبة والحنان التي أثمرت أسراً صالحة رفدت المجتمع والوطن بأبناء أكفاء علماً وعملاً.
هنيئاً للسيدة شمسة ولروح زوجها المرحوم منور ماهر، وهنيئاً لغسان وآمال بابنتهما وإحدى زهرات حياتهما، فقد توالى ظهور ثمار الأتعاب والتربية.
نعم تصرّف عفوي لائق، لكنه نابع من قلب طفلة عرف والداها كيف يرضعانها وإخوتها لبن المحبة والحنان الذي انعكس سلوكاً مميزاً عاكساً سلوك الأب والأم في حياتهما، ويجسّده الأبناء عملاً واقتداء.
«فلنعلم أطفالنا ولنتعلم منهم».
بذلك نكون قد ساهمنا في إعداد أجيال كفوءة ناشئة على المحبة والتفاني والعطاء للأهل والوطن والمجتمع، ونكمل بناء مداميك تربوية جديدة أسّس لها السلف الصالح ورسّخها، فأصبحت عادات أصيلة كياننا جزء منها، نمارسها ونعتزّ بها مدى الأجيال.
نعم يبدأ بناء الإنسان في أسرته ومن ثم يدعّم مجتمعياً وتربوياً وعلمياً في المدرسة والجامعة والمؤسسات التربوية والثقافية والدينية، لكن لبنات الإعداد الأساسية تترسّخ وتبدأ في الأسرة، فلنعمّق هذه المفاهيم وننمها، ولنصقلها بما يلائم الواقع، ولنتعلّم من الطفلة «ليليان غسان ماهر» حسن الاستقبال للكبير والصغير، للقريب والبعيد، ونخصّ المهمش أكثر.. بذلك نكون قد ساهمنا في ترسيخ مبادئ وقيم تربوية وأخلاقية مجتمعية، مجتمعنا بأمس الحاجة لها وخاصة في ظلّ مجتمع استهلاكي لاهث وراء كل شيء مادي، ناسياً الغذاء الروحي والأخلاقي والسلوكي الموروث الذي رفد المجتمع على مرّ الأجيال بترسيخ قيمه ومثله النبيلة الواجب الحفاظ عليها لنجابه مفرزات الحرب ونحافظ على سلامة المجتمع والوطن والأسرة.