عناوين مبهبطة ونصوص “جلد وعضم”!
زيد قطريب:
الحديث عن مرض “متلازمة العناوين”، يقتضي إجراء تحاليل مخبرية وصور رنين مغناطيسي للنصوص التي يسهب كتّابها في السرد، وفجأة يقفون عاجزين أمام ضربة الجزاء المسددة إلى مرمى العنوان.
وإذا كان العرب قالوا قديماً إن المكاتيب تظهر من عناوينها، فإن العناوين كثيراً ما تخذل النصوص، ويحصل أن يحدث العكس. فالعناوين “المبهبطة” يمكن أن تتصدر النصوص الهشّة، إلى درجة يمكن الحديث فيها عن ظاهرة تسمى صحافة العنوان التي ظهرت مؤخراً مع انتشار “السوشيال ميديا” حيث لا خبر لافتاً، ولا نص صاحب قيمة لأن القضية مبنية على إثارة العنوان.
صور الرنين المغناطيسي، تؤكد وجود شرطي في رؤوس الكتاب العرب، عندما يستخدمون العنوان لتضليل الرقابة أو استعطافها من أجل الموافقة على النص، وبالتالي يغنّي النص في واد ويصرخ العنوان في آخر، هذا إن انطلت اللعبة على مجهر أولئك الذين يراقبون النصوص ولا يموتون همّاً!.
من كثرة ما تكرر عنوان “..بين المطرقة والسندان” في وسائل الإعلام، اعتقدنا أننا نعمل في ورشة حدادة! ومثله عنوان “الحصان والعربة” و”الحصان والجزرة” وغيرها من سلسلة العناوين المكررة والمكرورة، التي تؤكد وجود عطب في النص العربي الذي يتردد أمام “متلازمة العناوين” خوفاً من انتباه العين، إيثاراً للسلامة النقدية، لأن النص الهزيل ينتج في الأغلب عنواناً مهلهلاً، كما تشير التحاليل المخبرية من صفحات الإعلام العربي بشكل عام.
يقول البعض: كلما انخفض سقف الحريات، ارتفعت نسبة العناوين الأليفة التي لا تخرمش وتريد سلتها من دون عنب. وبالتالي فنحن نعيش في عصرٍ، الإعلام فيه لا يمتلك أي خبطة، اللهمّ سوى زواج الفنانات في السرّ أو طلاقهن بعد تقاذف السباب مع الأزواج المخدوعين أو الخائنين! من غير الممكن حلّ القضية بسهولة، لأن صور الرنين المغناطيسي تقول إن الجسد الإعلامي بحاجة إلى “كورس” فيتامينات يدعم الشكل والمضمون معاً، فإن اقتصر العلاج على العنوان بمعزل عن النص، كنا كمن يرش بهارات على أكلة “المخلوطة” كي تصبح مستساغة قدر الإمكان.
العناوين الرديئة تطفّش القراء، وبالمقابل فإن النصوص الهزيلة يمكن أن تخرّب العناوين القوية، فهي لن تنطلي على القارئ سوى لوقت قصير يعزف بعدها عن القراءة في هذه الوسيلة أو تلك لأنها صحافة عناوين!
عادةً، تعيّن المنابر الإعلامية مختصاً بصياغة العناوين بناء على قراءة النصوص. لكن هذه المهنة انقرضت في الصحافة العربية التي تحاول التوفير في عدد الموظفين عبر الاعتماد على أسلوب “تلاتة بواحد”، لكنهم يدفعون أضعاف توفيرهم في أماكن أخرى ولا يتعلمون من التجربة! وإذا كان أجدادنا الكرام قالوا يوماً “سيماهم في وجوههم”، يصح اليوم أن نقول “سيماهم في عناوينهم” لأن العين مغرفة الكلام والمعنى، والقراء يعرفون سلفاً أنه كلما كبر “الهوباش” في العنوان بلا داع منطقي، كان النص نحيفاً ينتمي إلى صحافة “جلد وعضم”!.