“مأكول مذموم”!
يشعر الكثير من الصحفيين، مهما كان الحقل الذي يشتغلون فيه، وخاصة خلال الاحتفال بعيد الصحافة السورية، أنَّ المثل السائر “مأكول مذموم” يوصّف حياتهم المهنية على نحوٍ دقيق. فهم من دون تقدير، رغم إلحاح دائم من أغلب الإدارات العليا على تقديم المزيد من الجهد، لكن على مبدأ أنهم “قطط خشبية تصطاد ولا تأكل”. فهم مطالبون بتقديم واجبهم من دون أي وعد يحقق لهم حقوقهم المادية المهضومة. وما يزيد الطين بِلّةً أن المثل السائر يأخذ أيضاً منحىً خاصاً لدى الذين يشتغلون في الصحافة الثقافية، من دون أن نغفل، ما له من ملامح خاصة، لدى الزملاء في الحقول الأخرى. إذ إنه من النادر في الحقل الثقافي، أن تجد إشارة لصحفي/ة ضمن حوار أهل الإبداع، إلى أنه/ها صاحب/ة يد بيضاء في متابعة ما ينتجه، وأن الإضاءة الصحفية على منتجهم الإبداعي هي من أعطتهم هذا الحضور والانتشار، من بعد إشارتهم لتميّز نتاج هذا المبدع أو ذاك.
وتزداد المفارقة حين يعترفون بدور الصحافة في نشر الثقافة، وكأن الصحافة تقدّم ذلك الدور وحدها من دون الذين يعملون فيها! إلّا أن الكثير منهم يتنبّه لوجودهم ما إن يقرؤوا مقالة تسلّط الضوء على الأخطاء أو العثرات التي ارتكبوها في أعمالهم، وتشير إلى ملاحظات كان يمكن تلافيها، وإلى مقترحات يفترض الأخذ بها إن رغبوا في تكرار إنتاج أعمال أخرى، كالعروض المسرحية أو السينمائية، أو مسلسلات تلفزيونية أو إذاعية، أو عروض رقص استعراضية، أو حتى بعض الأعمال الأدبية. وأغلب هؤلاء، ما إن يقرؤوا تلك المقالة حتى يستنفروا مدججين بوابل الألفاظ التي لا تليق بأهل الإبداع، وفيها من التعجرف ما فيها، وكأن “داحس والغبراء” قد اشتعلت نارها مجدداً.
وإنك لتجد أيضاً أن معشر الصحفيين في حيرة من أمرهم، فهم إن حضروا الأنشطة الثقافية وكتبوا رأيهم وملاحظاتهم، نالوا قدراً وافياً من الشتائم، وإن غابوا، أعطوهم القدر ذاته من التهم الجاهزة بعدم الإحساس والفهم والقدرة على متابعة أعمالهم العظيمة.
كما أن بعض الذين يصدرون الكتب، يتغافلون عن واجبهم في إهداء نسخة من كتابهم ولا يغفلون عن عتاب الصحفيين لعدم الكتابة عنها، وكأن الصحفيين قد نذروا أنفسهم ورواتبهم المقددة لشراء كتبهم التي بعضها لا يصلح حتى لإشعال المواقد!