أردوغان يختبر مكره
تشرين- ميشيل كلاغاصي:
بدا لافتاً مؤخراً، تزايد تسليط بعض وسائل الإعلام الغربية الضوء على حقيقة الأفعال التي يقوم بها جيش الاحتلال الأمريكي في سورية، من سرقة لثروات الشعب السوري، وإخراج منتظم لأرتال صهاريج النفط المسروق بشكلٍ شبه يومي، وحرمان الشعب السوري من حقه في ثرواته، وسط أزمة الطاقة العالمية، والأزمات التي تفرعت عنها، كالأزمات الغذائية، وتداعيات ونتائج الحصار والعقوبات أحادية الجانب، المفروضة بشكل لا قانوني ولا أخلاقي على الشعب السوري.
وعلى خلفية نقص الطاقة المتزايد في الغرب، تستمر قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات الانفصالية التي تعمل بإمرتها بسرقة ما يصل إلى 66 ألف برميل نفط يومياً من حقول إنتاجها، التي استولت وسيطرت عليها شرق البلاد، بما يعادل 83% من الإنتاج اليومي في سورية, وسط توثيقٍ دائم استطاع المساهمة بفعالية كبيرة بفضح الممارسات الأمريكية على الأراضي السورية.
لم تكتفِ واشنطن بأفعالها الشنيعة، بل قدمت كل ما تستطيعه من معلومات استخبارية- استطلاعية، ومن خطط عسكرية شجعت من خلالها استمرار الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، الأمر الذي تفاقم وأصبح في حد ذاته سبباً إضافياً لزيادة التوترات في المنطقة، وقد طالبت القيادة السورية عبر وزارة خارجيتها مراراً وتكراراً مجلس الأمن الدولي بالضغط على “إسرائيل” وأكدت حق سورية باستخدام “جميع الوسائل المشروعة للرد على الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها”.
من جهةٍ أخرى، لا يزال احتمال أن تقوم قوات الاحتلال التركي بعدوان عسكري جديدة مطروحاً على الطاولة وفقاً لوسائل الإعلام التركية، لإنشاء ما يسمى “منطقة عازلة”، على طول الحدود مع سورية، حيث تسعى تركيا إلى تكثيف ادعاءاتها وإجراءاتها الأمنية لاستهداف الوحدات التي تصنفها أنقرة بالإر*ها*بية.
في وقتٍ يسعى فيه النظام التركي لإدارة الصراع والخلافات، التي بدأت تخرج عن سيطرته، نتيجة حالة الفوضى والفلتان اللذين ساهمت بخلقهما، نتيجة دعمه لكافة أشكال التنظيمات والجماعات الإر*ها*بية، التي انقسمت بدورها بفعل الدعم والولاء الخارجي، ما بين الموالين للنظام التركي، والموالين للتنظيمات الجهادية التكفيرية .
حالة من التعقيد الشديد فرضتها الولايات المتحدة وتركيا، انعكست على فرص الحل السياسي، الأمر الذي استغله أردوغان، ليعلن رغبته في التقارب مع دمشق، أكد من خلاله رغبة أنقرة بالتعاون مع الدولة السورية بمكافحة الإر*ه*اب، من دون تحديد وتسمية واضحة للتنظيمات والفصائل الإر*ها*بية المقصودة تركياً.
لا يمكن الحكم مسبقاً على جدية طروحات ومواقف النظام التركي الجديدة، مع غيابٍ كلي للثقة به ، وهو على أعتاب الانتخابات الرئاسية، وسط تردي الأوضاع المعيشية للشعب التركي، والتضخم، والفساد، وغياب الحريات، وامتلاء السجون التركية بالصحفيين والمعارضين وضباط وجنود في الجيش التركي تحت مزاعم ولائهم ومشاركتهم في انقلاب 2016.
يبدو أن لقاء القمة الثلاثي في طهران، والثنائي في سوتشي، أحرجا إردوغان، وباتت الإشاعات والأخبار غير المؤكدة، تصدر بشكل مكثف عبر وسائل الإعلام التركي.
الدول الغربية، أعربت عن قلقها بشأن التقارب بين روسيا وتركيا، وتحدثت صحيفتا الفايننشال تايمز ونيويورك تايمز عن تزايد “الغضب الغربي” من جراء التعاون التركي الناجح مع روسيا، والسعي الأمريكي لمنع هذا التقارب، ولعرقلة المساعي الروسية بين تركيا وسورية، عبر حملة تضليل إعلامية تتهم روسيا بنقل إمداداتها العسكرية إلى أوكرانيا على متن السفن التجارية، عبر مضيقي البوسفور والدردنيل بإشرافٍ تركي، ناهيك عن موافقة مجلس النواب الأمريكي تعديل مشروع الميزانية العسكرية للسنة المالية 2023, وحظر بيع طائرات الـ F- 16 إلى تركيا، بما يشكل صفعةً انتقامية من تركيا.
أخيراً.. لا يمكن التعويل على مواقف أردوغان الجديدة، و لا يمكن تجاهلها، في حين تبدو أقرب إلى الهرطقة السياسية، فأردوغان لا يملك قرار بلاده الداخلي 100%، فهل يعقل أن يملكه خارجها، ويتخذ مواقف تطيح بإمكانية استمرار وجود القوات الأمريكية على الأراضي السورية، أم إنه يسعى لدفع دمشق باتجاه حسم ملف شرق سورية بالقوة العسكرية، على حساب الحوار مع “ق*س*د” ونسف أي نتائج إيجابية محتملة بينهما، والاصطدام مع القوات الأمريكية..
يبدو أن أردوغان يحاول اختبار مكره وذكائه في البحث عن تبرير العملية العسكرية المزعومة على الأراضي السورية، ويحاول إقناع واشنطن وموسكو وإيران معها، من خلال الصخب الجديد الذي ابتدعه وما يسمى بـ”الانعطافة التركية”، في وقتٍ لا تبدو الأجواء العالمية والإقليمية مهيأة لفتح أقنية السلام بشكلٍ حقيقي، ولا تزال رحى الحروب والتوترات السياسية والعسكرية تدور هنا وهناك.