بعدما كانت دجاجات المداجن يمشين “الحيط الحيط ويقلن يا رب السترة”، وتَرَى رؤوسهن مطأطأة للأرض يلتقطن العلف الذي كان بأرخص الأسعار، ولا يصدر منهن سوى أصوات هامسة تشي بالضيق والتململ، ويبقين على حالهن حتى تُطفأ أضواء المدجنة، ويخيم السكون عليهن.
أما الآن، تغيرت أحوالهن كثيراً، وبتنَ يرفعن مناقيرهن، وكأنهنَّ من أهل الذوات، وأصحاب العزّ الذين ساهمت الحرب في رفع منزلتهن الاجتماعية، إذ بتن مُرفَّهات، يأكلن العلف الذي ارتفعت أسعاره وصار يوازي وجبات مطاعم الخمس نجوم، ويتمايلن بمشيتهنّ بغنج ودلال تحت سقف مدجنتهن المُكيَّفة، وارتفعت أناهنَّ إلى أعلى مستويات، بعدما صارت البيضة الواحدة من البيضات التي يَبِضْنَها تُباع بما يُقارب خمسمئة ليرة تنطح ليرة، خاصةً مع حملات التهريب التي تطول بيض المائدة، بحيث أصبحت الوجبة الشائعة ورخيصة الثمن بمثابة كنز ثمين، وغير متاحة للجميع، وهذا ما زاد من ترفُّع دجاجات المداجن البيضاء، وصارت أعرافهن الحمراء تُحاكي السماء غيَّاً وتكبُّراً، وأصوات نقنقتهن عَلتْ لدرجة أنهن صرن يتمسخرن على “القرقات” البلديات البُنيّات، ويبدين استياءهن الواضح من كيف يرضين على أنفسهن أن يبقين فترات طويلة جالسات على بيوضهن من أجل التفريخ، بينما هنَّ يُفضّلن التفقيس الصناعي، فهو أسهل بمئة مرة، ويجعلهن محافظات على رشاقة أجسامهن، وجمال قوائمهن، حتى لو تحوَّلت فيما بعد إلى وجبات كنتاكي.
وفي الوقت ذاته تستغرب دجاجات المداجن كيف ترضى الدجاجات البلديات، بما يسترزقن منه في الأرض، بعيداً عن أجود أنواع العلف، ثم كيف هن مقتنعات بأجسادهن من دون هرمونات التغذية السريعة، التي تنفض الدجاجة الواحدة نفضاً ما بعده نفض، بحيث إنها تبدو مثيرةً رغم صغر سنّها، وتصبح جذابة، و”معجعجة” بمفاتنها، ولو كان مصير تلك المفاتن أن تتحوَّل إلى أكلة اسكالوب في مطاعم الوجبات السريعة، أو طبق مندي مُزيَّن بقطع الكاستا الشهية.
نظرت الدجاجات البلديات إلى حالهن، خاصة مع التزوير الذي يحصل لشبيهات منتجاتهن من البيض البلدي اللذيذ، والبيض أبو صفارين، وقلن بحسرة: “دوام الحال من المحال”.
بديع صنيج
25 المشاركات