ما مرت به بلدنا خلال سنوات الحرب الكونية والحصار الاقتصادي الظالم على شعبنا كشف الكثير من خبايا الأمور، وفضح مستورها سواء على صعيد علاقاتنا مع الخارج، أو على صعيد حياتنا الاقتصادية والاجتماعية وما تحتويه من مكونات فاعلة ومنفعلة مع معيشتنا كمواطنين بالدرجة الأولى.
عرفنا الكثير على الصعيد الخارجي من تكالبِ الدول على مقدرات بلدنا، وحالة التآمر والدمار والخراب خير مثال، أما على الصعيد المحلي فقد كشفت الأزمة الكثير من القضايا المخفية وأمورها المستورة، وخاصة زيف الكثير من التجار من ضعاف النفوس, إلى جانب هشاشة الجهات الرقابية في معالجة مشكلات السوق، لا بل تواطؤ الكثير منها مع بعض فعاليات السوق لاستغلال ما يمكن استغلاله لتكوين الثروة على حساب مقدرات الوطن والمواطن بكافة الاتجاهات والمجالات.
وبالتالي المستور لم يعد مستوراً، انكشفت الأقنعة وما يختبئ خلفها, حيث لم تعد هناك أزمة واحدة، بل تعددت الأزمات وتنوع المتآمرون، وكثر المستغلون في أسواقنا، وتضاعفت حرامية السوق من تجار استغلوا الأزمة لمصالحهم بالتعاون مع بعض أجهزة الرقابة, تارة نجدهم في الجسم الصناعي, وأخرى في الاقتصادي؛ في الأسواق والسلع والمنتجات, والأكثر في حاجاتنا اليومية ولاسيما الغذائية منها و نذكر منها على سبيل ما يحدث في قطاعات الإنتاج وظلم العامل والفلاح وسرقة جهده بحجة الغلاء والتكلفة، والرابح فيها حلقات السرقة من أهل التجار، ومن لفّ لفّهم من أهل الخبرة والدراية بفنون السرقة من الجهات الحكومية، بدليل ما يحدث في قطاع الألبان ومشتقاته من غش وسرقة، وقطاع الخضار والفواكه، وكثير من المواسم وحالات الغش فيها على مرأى ومسمع الجميع، فلا الحليب حليباً ولا اللبن لبناً, و حتى المنتجات لا تشبه أصلها.
والحجج كثيرة في هذا المجال, فهناك من يختبئ وراء ظروف الأزمة والحالة الأمنية التي تعيشها بعض مناطق الإنتاج, والبعض الآخر يختبئ وراء ارتفاع أسعار المستلزمات الإنتاجية ويبرر لنفسه الجشع والطمع واستغلال حاجة المواطن وعدم الاستغناء عن المادة ليس لضرورتها فحسب, بل لأن الجشع والطمع والاستغلال أصبحوا حالة وجدانية مرافقة لكثير التجار ومن يعاونهم من أهل الرقابة!
ومشكلتنا كبيرة حيث نجد هؤلاء في كل القطاعات, بدليل كيفما التفتت تجد أصابعهم، من دون خجل أو حتى مظاهر الندم أمام الغلاء وصعوبة العيش وقساوة الظروف التي تحكم بلدنا، فهم ساعون لكسب المزيد من الثروة على حساب الوطن والمواطن، والدولة ساعية لتأمين أسباب المعيشة ،وهذه معادلة متنافرة تحتاج معالجتها الضرب بيد من حديد على يد هؤلاء الساعين لأنه لا استقرار في السوق، ولا معيشة جيدة في ظل الفاسدين فهل نشهد هذه المعالجة قريباً بعد أن فُضحت خفايا المستور..؟
سامي عيسى
165 المشاركات