اتجاهات سينمائية شابة… اختصار للزمن واستمرارية للإبداع
بارعة جمعة
مواهبٌ واعدة ومثمرة، وهبت جُلّ عطائها لأحلامٍ قُيدت ببضع دقائق، كما اختزلت أحلامها بفترة قصيرة حكمت من خلالها على نفسها إما الاستمرار أو الاستسلام للنتائج، ربما لم تكن على قدر أحلام قاصديها رغم أنها اتسمت بهم وأخذت منهم الكلمة والفصل، في وقت لا اختصار لمداد الأحلام المفروشة بأمنيات بعيدة لا بل طويلة المدى، واليوم بات العنوان العريض لهم هو مهرجان سينما الشباب للأفلام القصيرة، الذي سجل عبر دوراته المتلاحقة نتاجاً سينمائياً إبداعياً بامتياز، وفق شروط محددة وفرص من المفترض أن تتلاءم مع ماهية جيل الشباب.
نشأة متطورة
هي مساعٍ حثيثة وجهودٌ كبيرة من المؤسسة العامة للسينما، تتبعها رغبةٌ بتشجيع الجمهور على حضور المهرجان، فكان الاتجاه لفئة الشباب أمراً حتمياً وضرورياً، فالوصول لصيغة عمل مشتركة بين المؤسسة والجهات الراغبة بالعمل ضمن ظروف اقتصادية صعبة كان لها من الثقل على قطاع السينما كغيره من القطاعات الانتاجية الأخرى، كان السبب وراء ظهور فكرة الأفلام القصيرة برؤى شبابية وتكلفة إنتاجية أقل كحلٍ أمثل حسب توصيف الناقد نضال قوشحة، فالصيغة الإنتاجية اليوم باتت محكومة بهذا النوع السينمائي كما شملت القطاعين العام والخاص على حدٍّ سواء برأيه، فكانت سينما الشباب الملجأ للبوح بالأفكار واستقطاب الشباب ووضعهم أمام تجربة واختبار الفيلم القصير قبل الطويل، كما هي العادة في السينما، والتي باتت من البدهيات أمام الكلف المالية العالية للأفلام الطويلة، فاليوم لن نجد أي جهة باستثناء المؤسسة العامة للسينما تتجه لإنتاج الأفلام القصيرة مدة نصف ساعة فما دون، والذي بدوره سيغير شكل السينما الجديدة، فالأمر معني بالحالة الإنتاجية والإبداعية والمهنية البحتة فحسب على حدّ تعبيره.
مبررات العمل
أثمرت هذه الاتجاهات الفنية في سنوات القحط والجفاف الإبداعي، آخذةً على نفسها النهوض بالحراك السينمائي، لتكون الخَلف لمن سبقهم ممن حققوا أكبر الجوائز العالمية، إلّا أنه برغم الميل لإنتاج أفلام قصيرة ضمن المؤسسة التي تنتج أيضاً أفلاماً طويلة، بات من الواضح أن لهذا الاتجاه أسبابه برأي المخرج السينمائي وأحد المشاركين بالمهرجان حسام حمدان، فتخصيص ميزانية محددة لإنتاج أكبر عدد من الأفلام، وبالتالي إتاحة الفرصة لأكبر عدد من الموهوبين للمشاركة هو الدافع الأول لهذه التجربة برأيه، عدا عن ضعف الأدوات والخبرة لدى إغلبية المخرجين الجُدد، إلّا أن مشكلة الشباب برأي حمدان هي نظرتهم للفيلم القصير بوصفه محطة عبور للفيلم الطويل، ما يجعلهم غير مُكترثين لبعض الأخطاء التي تفقدهم فرصة الاستمرار بالاتجاهين، وذلك لعدم فهمهم بنية الفيلم القصير بدايةً، واعتبار زمن القصة وتشعبها المؤشر الأساسي لتحديد ماهية الفيلم، من دون الاكتراث بطريقة معالجة القصة نفسها.. في الوقت الذي نجد فيه أيضاً أن هناك خلطاً في موضوع سينما الشباب لدى الجمهور ولدى المسؤولين عن تحديد الفئة العمرية، فالشباب موقف من الحياة والفن ولا يختص بفئة عمرية برأيه، كما أنه من الأخطاء الجسيمة تحديد سن المخرج بالأرقام لتصنيف العمل الذي يعد مبدأ القائمين على العمل السينمائي في سورية، فالسينما تعتمد على التجريب لصياغة هويتها الفنية على مستوى الشكل والمضمون، كما أنها لا تلتزم بالرؤية الكلاسيكية لموظفين إدرايين.
ظروف إنتاجية
من واجب المهرجان التوجه للجميع، لعرض رؤى الشباب المهتمين لكون هذه التجربة مهمة جداً لأي مخرج برأي حمدان، في وقت باتت فيه ظروف العمل غير جيدة، باعتماد يوم واحد للتصوير وبميزانية محدودة لا تكفي لإنجاز الفيلم حسب توصيفه، كما أنه لا يجوز التقليل من تطلعات الشباب، فالكثير من الأفلام القصيرة تتفوق في الصعوبة والقيمة على الكثير من الأفلام الطويلة، والدليل وصول العديد من الشباب الشغوفين بالفن السابع لمنصات التتويج في محافل محلية وعربية وإقليمية.
لا يمكننا عدّ الفيلم السينمائي القصير بمثابة البديل عن الفيلم الطويل خاصة في سورية، إلّا أنه كنوع سينمائي جيد برأي الناقد لؤي سلمان، كما أنه أفضل من التوقف نهائياً، فالكثير من المهرجانات العالمية خُصصت للأفلام القصيرة، ومن الممكن أن تتحول مستقبلاً إلى نوع مهم برأيه، وذلك بقدر ما يستطيع صناع هذه الأفلام انتاج فيلم فيه من الاختزال والتكثيف ضمن شروط فنية صحيحة لإيصال الرسالة والغاية المراد تقديمها من الفيلم.
كما أن الإبداع لا يرتبط بفئة عمرية معينة برأي سلمان، لذا فمن غير الصحيح اختصار هذه التجربة بفئة الشباب فقط، فالخوض بها لا يندرج تحت مسمى إيجاد عمل وهنا من الضروري التفريق بين العمل والمنتج الفني كمنتج برأيه، فهذا العمل إبداعي وفني بامتياز، وإن كان الهدف إنتاج فيلم سوري أو سينما سورية منوعة وجديدة أو رفد الوطن بخبرات سينمائية جديدة علينا البحث عن عناصر لدعم الفيلم السوري، وتعميم التجربة وإطلاقها بشكل عام ولكل الفئات برأي سلمان، ولا سيما أن أصحاب الأفلام ينهلون من المدرسة ذاتها، وعلينا أن نتوقع ما الذي سينتج مهما بلغت الجودة، خاصة أن الفنيين هم ذاتهم من العاملين بالمؤسسة والمحتكرين لآلية العمل سواء للأفلام القصيرة أو الطويلة.