قصص كثيرة حكتها لنا الجدات، يتم تداولها اليوم على صفحات التواصل الاجتماعي بطريقة محدثة، القاسم الوحيد فيها هو المغزى فيما هي اليوم مفصّلة تفصيلاً على مقاس الزمان والمكان الملون بتقنياته وإكسسوارات يومياته، عكس الماضي الذي أفضل توصيفه بالزمن الجميل أكثر من زمان الأبيض والأسود، وأزعم أن شاشاته فقط هي التي كانت أبيض وأسود عكس يومياته الدافئة وأنس علومه وحكم الشيوخ..
ستي كانت تقص لنا قصة المغترب- المنقحة فيسبوكياً – بطريقة بسيطة وعبر قيمة وواضحة من دون استعانة بمكامن لغوية وصور بيانية، أو الإشارة بضمير مستتر، فهم أجبن من جدتي التي كانت تبوح باسمه الصريح علانية.
هذا المغترب في ذاكرتي وعلى لسان جدتي عاد ثرياً لقريته بجلباب وعقال وصندل جلد طبيعي ومعه صبي يعمل سخرة لحمل متاعه وعدة تجميله (هدايا وصرر نقود..) لعلها تصحح نظرة أقرانه وأقاربه حول سيرته الذاتية قبل سفره الميمون..
محدث النعمة صار باشا وجمع حوله المعتّرين والمتملّقين وبضعة أطفال شهود يروون في الحي قصص بطولاته وهندامه وعطر البخور و”ِصيتَ” كرمه الموروث وهو المنتوف أباً عن جد وجدود.
سميح ابن ربيحة، المغترب قرر استكمال استعراضه بشراء دار كبيرة يقيم فيها مأدبة ووليمة يعزم إليها علية القوم، ولزوم المناسف اشترى كبرى الصواني ووزعوا عليها لحم الخروف والعجول، لكنّه وقع بفخ الباب الذي عكس المثل ” لن يفوّت جملاً ولا صواني البهورة والفشخرة”..
وفكر ابن ربيحة ومعه لفيف من الحضور في سبل إتمام الاحتفالية وتطويع المناسف لتكون في الدار ومن ثم في البطون، لكنّ الحلول كانت عقيمة ماعدا حلاً استنبطه غريب عن القرية لا يعرف أصل وفصل المغترب لكنّه رماه بحجارته ساعة قال: نخرج نحن للمناسف ولو كنت أهلاً للعزائم ومعتاداً على فتح أبواب الدار أمام الناس والأقارب لعرفت مقاس الصواني المناسب…!!
حكمة جدتي من القصة، أبلغ من حكم الفيسبوكيين المبنية على القصة ذاتها لو أنهم أشاروا بالبنان إلى كل محدث نعمة صار في عشر سنوات حرب من أصحاب الجيوب الملأى بالنقود التي تُصرف يميناً وشمالاً على حاشيتهم والمعترين كرمى التهليل بكرمهم الموروث عن الجدود.