«ميجنا- الحبّ وطناً» لداود أبو شقرة
راوية زاهر:
«ميجنا- الحبُّ وطناً» مسرحية للأديب والإعلامي داود أبو شقرة، الصّادرة عن وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، وأبو شقرة؛ رئيس جمعية المسرح باتحاد الكتاب العرب، له العديد من الأعمال الأدبيّة المتنوعة.. و(ميجنا) شخصية المسرحية الرئيسة؛ هي سيدة أرمينية عاشت عقدة الأوطان المنكوبة بين بلدها الذي هجّرت منه (يريفان– العاصمة الأرمينية)، ومكان إقامتها في (حلب- سورية) حيث ولدها وزوجها ومعارفها المحاصرون فيها بسبب الحرب وويلاتها ، وهي شخصية مستسلمةً في نهاية المطاف لسطوة الحب، والتي ارتأت ” أن الوطن هو حيث يعيش من نحبّ في حدود المساحة التي لا تضللها المسافات.”.. (ميجنا) وتعني بالأرمينية (لا ترحل) وبالعربية ضرب من الموسيقا وعشق الحياة، والكتاب المسرحي قام على مجموعة من الأحداث المرتبطة بالحرب بخمسة مشاهد متتالية مترابطة، وشخصياتها الست، وهي: ميجنا – الأم الأرمينية والزوجة، فاهية : زوج ميجنا، ابراهام ، ابن ميجنا،
لينا: حبيبة إبراهام ، ووالدها صاحب نفوذ، عائشة : صديقة لينا وحبيبة إبراهيم ؛ تنتمي لعائلة شرذمتها الحرب بين أخٍ منتمٍ إلى الجهة المعادية وأبٍ يُعاني ويلاتها، ويقف عاجزاً أمام عوز أسرته التي اغتصبت ونُكلت أمام ناظريه لأنه موظف.
أمّا إبراهيم؛ فهو الرجل المثقف، والشهم الذي أجبرته الحرب على العمل كناطور بناء.. يجمع بين هذه الشخصيات حوار مسرحي يكشف الحبكة، ويساعد في تقدّم الأحداث، مشهداً تلو الآخر وينتهي بالإعتام، ليبدأ بمشهدٍ جديد كاشفاً عن الشخصيات وبنيتها النفسية والإيديولوجية، إذ لم يكن الحوار يجري من أجل تبادل الكلام بين الشخصيات فقط، بل كان يتطور باستمرار من أجل تقدّم القصة والوصول إلى أهدافٍ أخرى تتعلقُ بسير الأحداث.. والحوار كما هو معروف عماد العمل المسرحي، ووظيفته الأساسية الكشف عن المشاعر من خلال رشاقته، واستخدام أسلوب معيّن لكلِّ شخصية.. ويستطيع المُشاهد أو القارئ لنص المسرحية تمييز ما تشعر أو تفكر به الشخصية.
حضر الصّوت بقوة في كل المشاهد (صوت القصف في الخارج، فيما يغنون للحب)، (صوت انفجار في الطابق العلوي أيضاً)، و(صوت صراخ أطفال ورجال وحركة غريبة على الأدراج)، (يدخل إبراهيم يحمل طفلاً رضيعاً يبكي).. فالحوار الشائق والرشيق؛ كان واضحاً في التعامل مع الطفل الرضيع..
إبراهيم : مات أهله جميعاً في الطابق الثاني.
“ميجنا : من الانفجار؟
إبراهيم: نعم رجال الحارة أخذوا جثث أصحاب البيت.
ميجنا: إلى أين أخذوا الجثث؟
إبراهيم: لدفنها في الحديقة..
ميجنا: تعالي ياعائشة امسكي الطفل..
لينا: سأطلب من والدي تكفله.
ميجنا: إبراهيم انزل فوراً إلى الصّيدلية واحضر له رضاعة حليب وعلبة نان١..
إبراهيم : حاضر. ”
هنا الحوار يعكسُ حالة الهلع، والحزن من دون الحديث مباشرة عن هذه المشاعر التي ألمّت بالمكان، وأيضاً برزت الحركة عند لحظة خطف ابن السيدة ميجنا، وحالة الهلع أيضاً، وسقوطها على الأرض مغشياً عليها، هنا حيث تسود موسيقا مع تعتيم يليق بالمشهد.. فالحوار له أهميته في إظهار أبعاد الشخصية، وهنا من خلال الحوار الذي دار بين لينا وميجنا حول إبراهام واكتشافها لعلاقتهما العاطفية مع حالة الارتياب بسبب عدم التوافق الايديولوجي بينهما. وهنا استخدم الحوار كأداة لنقل المعلومات، وقد تدفق في مشاهد المسرحية بطريقة طبيعية وغير متكلفة، فكان قريباً من فكر المتلقي وعقله، كما و تضمن الحوار المسرحي الشّعر والرّموز والاستعارات اللّغوية في التعبير..
(عائشة: يقال عندنا: “الحرب لا تبقي ولا تذر”
فاهية يمازح زوجه: أنت تتحفيننا بأساطيرك الحالمة، ونحن نهرب من شدق الموت باستمرار.. وهذه كلها استعارات لغوية واضحة.. واللغة هنا مستمدة من معجم الحرب التي تخدم الحالة الشعورية والمشهدية في آن معاً (الانفجارات، الطيران، الجثث، الصراخ، القذائف، الخطف، مهجرون).. لتنتصر ثقافة الحب والحياة في نهاية المطاف، ويعلو صوت الغناء والموسيقا على صوت الموت والبارود، وينتهي المشهد الأخير بزواج لينا وإبراهام ، وعائشة وإبراهيم، وعودة ميجنا وأمها إلى حلب لتكون في وطن اختاره لها الحب، وتقرّر الحصول على جنسية مرتبطة بالمكان الذي ينبغي أن تؤمن به لوجود أحبتها فيه، ولا يسعنا إلّا أن نختم بالميجنا العربية التي أغلقت عليها ستارة المسرحية بصخب وفرح أحاط بسياج المكان:
“غاب العدل بنياب غدر وجِنا
وعاش النحس بحظوظي وماجنا
وتاه البخت عن مواسم جنى
نسيت العتابا والزلف والميجنا..
يرددها الجميع..
ولما أسى الأيام ع قلبي وجنى
لوّن الليل أثماري وجنى
وبعد الحزن ماحطط وجانا
عاد الفرح بعودتك ياميجنا”.