التجار لا يتقيدون بالتسعيرة .. هل نؤسس هيئة خاصة بالتسعير ؟
منال صافي:
من الواضح، أنه لا قاعدة اقتصادية، سوى الفوضى وحدها تحكم سياسة التسعير في أسواقنا, ولطالما كان ارتفاع سعر الصرف هو الشماعة التي يعلّق عليها التجار سبب الارتفاع في سعر أي سلعة، لكن حتى في الأوقات التي يشهد فيها سعر الصرف ثباتاً نسبياً لفترات طويلة نرى أن الأسعار تتجه نحو الصعود من دون مسوغ.
يؤكد هذا الكلام المواطن الذي يتجه في كل مرة إلى الأسواق لشراء احتياجاته، ليفاجأ بارتفاع سعر السلعة عن المرة السابقة، فالسيدة لمياء اعتادت منذ حوالي العام تقريباً شراء مسحوق الغسيل نفسه من شركة محددة و بالوزن نفسه وكل شهر تدفع زيادة في سعره ما بين /500- 1000/ ليرة عن المرة السابقة، تقول: الزيادات لا تتوقف عند مسحوق الغسيل بل على أغلب السلع وخاصة الغذائية (الشاي والبن والمعلبات والزيوت وغيرها).. التجار يعتمدون زيادات بسيطة لا يلحظها المستهلك ولكن مع مرور الوقت وخلال /6/ أشهر يزيد سعر السلعة إلى النصف، متسائلة: على أي أساس تزيد الأسعار؟ ومن المسؤول الحقيقي عن هذه الزيادات غير المسوغة ؟
هيئة للتسعير
يجيب الخبير الاقتصادي شادي أحمد: إن التوازن الاقتصادي قائم على توازن الأسعار, وإن الإدارة الاقتصادية الناجحة هي التي تضمن أسعاراً مناسبة لجميع المواطنين و لقطاع الأعمال الخاص و لها كحكومة، لذلك فعملية التسعير ليست بالمسألة البسيطة، بل هي موضوع معقد إذا لم تكن أهم عملية.
منوهاً بأن هذه العملية لا تقوم بها وزارة واحدة و إن كانت تصدر معظمها وزارة التجارة الداخلية، لكنها في الحقيقة مسؤولية مجتمعة، وإن بعض الدول لجأت إلى تأسيس هيئة خاصة بالتسعير لدراسة كل النتائج المتوقعة من زيادة أو تخفيض سعر أي سلعة على مستوى كامل الاقتصاد و المجتمع حتى لو كانت خدمية، لأن الأسعار مرتبطة فيما بينها بشكل وثيق باستخدام أدوات تحليل علمية و مصفوفة أسعار و دراسات و أبحاث.
ولفت إلى أننا بحاجة إلى هيئة عامة للتسعير، لا توافق على رفع سعر إذا لم تثبت أهمية رفعه، وهذه الهيئة تربط بين سعر قوة العمل (الراتب أو الأجر) و بين أسعار المواد و الخدمات، و تلاحظ الفرق بين السعر العالمي و المحلي لمادة ما حتى نعرف كيف و أين يذهب هذا الفرق الهائل في الأسعار، وهذه الهيئة تحدد كم يجب أن يكون سعر العقار و سعر الإيجار لكي يرتفع هذا السيف المسلط على رقابنا، وتحدّ من وجود أكثر من سعر للمادة .
إيجاد توازن
وأوضح أحمد أن المواطن يرغب في أن يشتري السلع ويحصل على الخدمات بأقل سعر، بينما يريد التاجر و القطاع الخاص البيع بأعلى سعر لذلك يتوجب إيجاد التوازن بين دخل المواطن و تكاليف القطاع الخاص، لضمان تدفق السلع في الأسواق بسعر و كمية مناسبة للمستهلك، و كذلك لضمان استمرار الخاص بعمله وتحقيق أرباح يمكن من خلالها تحصيل ضرائب و رسوم لمصلحة الخزينة العامة، فدور الحكومة و الوزارات المختصة التنسيق وفق سياسات اقتصادية و ليس (محاربة التاجر و إنهاك المواطن).
وأشار إلى أنه في الأوضاع الاقتصادية الطبيعية يكون التوازن شبه تلقائي مع تدخل خفيف للجهات المعنية، لكن خلال الأزمات يكون الدور الأكبر لها و تحديداً لوزارات: (الاقتصاد،المالية، التجارة الداخلية، الزراعة، والصناعة).
ويمكن الوزارات المعنية خلق هذا التوازن خلال الأزمات من خلال: إعفاء ضريبي لكل مُنتِج للغذاء أو لمستلزمات إنتاج الغذاء، و لفترة محددة، و تأجير أراضي أملاك الدولة لكل شخص يمكنه أن ينتج منتجاً زراعياً أو حيوانياً و لفترة محددة و بشروط واضحة، وتوجيه التمويل البنكي نحو القطاعات الاقتصادية التي تدخل في السلّة الاستهلاكية للمواطن (صناعياً و زراعياً)، مع إيجاد نظام متكامل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وفق نظرية البيئات الأربع, مؤكداً أنه من دون ذلك فإن كل دوريات التموين وضبوط الإغلاق والمداهمة والإقالات لن تحسّن وضع الأسواق والأسعار .
لجنة تسعير
بدوره مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نضال مقصود أشار إلى أن الوزارة تقوم بدراسة تكاليف المستوردات ومنتجات القطاع الخاص من السلع والمواد الأساسية ضمن لجنة التسعير المركزية المشكّلة بموجب المرسوم رقم /8/ لعام /2021/ وهذه اللجنة تضم في عضويتها ممثلاً عن الاقتصاد والمالية والمصرف المركزي والمديرية العامة للجمارك وتتم دراسة تكاليف السلع بشكل دقيق وتحديد الأرباح ، ولا ندّخر جهداً لتخفيض الأسعار بما ينعكس إيجاباً على المواطن، كما يتم تعديل سعر أي مادة ونتابع انسياب السلع بنسب أرباح مقبولة ونقوم بدراسة نسب الأرباح وتعديلها في ضوء التضخم، ولفت إلى أن تسعير السلع المستوردة يخضع للسعر العالمي وأجور النقل الخارجي، وأن لجنة التسعير تدرس بنود التكاليف بدقة للوصول إلى سعر عادل ويتم تعميم الأسعار, مشدداً على تفعيل ثقافة الشكوى بين المواطنين للإبلاغ عن أي حالة وتجاوز التسعيرة المحددة من قبلها لمساعدة الوزارة في ضبط حالة الفلتان في الأسواق.