بكين وتايبيه ما بين الحلِّ السياسي والعسكري
ميشيل كلاغاصي:
لطالما اتبعت الصين سياسةً بعيدة الأمد ومتوازنة فيما يتعلق بقضية تايوان , لكن انتخابات عام 2016 وانتصار المعارضة كان مفاجئاً للقيادة الصينية, ووضع خط النهاية لسياسة التكامل الاقتصادي للجزيرة التايوانية في حسابات الاقتصاد الصيني, وخلق نوعاً من التهديد بدأ يحسب الحساب لتحول تايوان إلى أمة منفصلة تماماً حتى بلغتها الخاصة .
تحت أعين القيادة الصينية تمت مراقبة تصاعد ما يسمى “القومية التايوانية” , بما يحمل ذلك من مخاطر ذات تأثير إيديولوجي كبير على العديد من المجموعات العرقية في جنوب الصين ، مع وجود ما يقارب الـ 500 مليون مواطن , تختلف وتتنوع لهجاتهم الخاصة (الكانتونية , الهاكاو ), لكن العامل الاقتصادي كان يوحّدهم دائماً , على الرغم من توزع الشركات الكبيرة في المناطق المرتبطة بتلك اللهجات, وهذا بدوره تكفل باستمرار رفض الحزب الشيوعي الصيني والسلطات الصينية لوجود مثل هذه المناطق التي تؤثر بطبيعة الحال في سيطرة الاقتصاد الصيني في مناطق جنوب وشرق آسيا والمحيط الهادئ , بما يحصر مناطق الاقتصاد الصيني بالمناطق الداخلية , ومناطق التنوع التايواني بالمناطق “الساحلية” , وعليه تبدو عملية دعم “ديمقراطية” تايوان , وانفصالها واستقلالها , “حرباً مقنّعة” على الدولة الصينية.
لفترة طويلة , كانت السياسة السابقة لجمهورية الصين الشعبية تستند إلى الاعتقاد بخضوع تايوان آجلاً أم عاجلاً للسيطرة الصينية على أساس النجاح الاقتصادي وارتفاع المؤشرات المالية ، الأمر الذي كان يضع عملياً الخلافات السياسية جانباً , لكن هذا لم يكن ليرضي الانفصاليين, بالإضافة لمراقبتهم تراجع دور هونغ كونغ كمركز مالي أمام منافسة المؤسسات المالية الصينية الرسمية.. أمورٌ وضعتها تايوان ومن خلفها الولايات المتحدة بحسبانها ما قبل موعد انتخابات 2016 .
من ناحية أخرى ، لعبت ما تسمى “قومية الأقاليم” دوراً سلبياً في التأثير على التطلعات الخفية للخروج عن المركزية السياسية ، وسعت لتعزيز اللهجات المحلية والثقافات المحلية ، والعلاقات المالية المعقدة بين المناطق وقلب النظام الصيني في بكين.
منذ نجاح المعارضة التايوانية في الانتخابات المذكورة , اتجهت مشاعر الكثيرين نحو توقع تفاقم الخلافات ما بين الدولة الصينية وتايوان وهونغ كونغ وجنوب الصين, وتحولها إلى أزمة واحدة أو عدة أزمات, في الوقت الذي ركزت استراتيجية الرئيس شي جين بينغ وقيادة الحزب الشيوعي على موضوع الجنسية, والتركيز على التطبيق الكامل لسياسة الحزب الوطنية الجامعة لكافة مكونات المجتمعات والشعوب الصينية وتعزيزها.
على الرغم من تمتع تايوان بحكم ذاتي , إلّا أن الدعم الأمريكي على مدى السنوات الماضية, ساهم بتنامي مؤيدي الانفصال على أنها “أمة مستقلة “كبقية الأمم , وليست إحدى المقاطعات الصينية , وسط إدراكهم أهمية المراهنة على الدعم الأمريكي, أمام خطورة غضب بكين , واحتمالية لجوئها إلى عملية عسكرية لإخضاع الانفصاليين , وبات من المهم لمتابعي الحراك الدولي والأزمة الدولية – الصينية – التايوانية , مراعاة المخطط الأمريكي على اللسان التايواني الرسمي , على غرار ما يتفوه به الرئيس الأوكراني وحكومته.
يبدو أن تحقيق أي اختراق سياسي أو دبلوماسي في قضية تايوان بات أمراً ضرورياً بالنسبة للرئيس بينغ ، حيث تمتلك بكين قدرة الحسم العسكري, لكنها ستقع فريسة الرأي العام الدولي , والإعلام الأمريكي ومن يدور في فلكه , لاتهامها بـ “الغزو ” , وبأنها معادية لما يسمى “الديمقراطية وحرية الشعوب” , وبأنها تعالج أخطائها السياسية وفشلها في احتواء الملف التايواني بالقوة العسكرية , وستقع من دون شك تحت سيف العقوبات الأمريكية والغربية , وسيف الشيطنة وانتهاك القوانين الدولية.
من المهم للصين أن تبحث عن إعادة توحيد الجزيرة مع الجسد الصيني الكبير , والتركيز على التعاون الاقتصادي , والتبادل الثقافي , وتنشيط حملات التوعية على الجانبين الصيني والتايواني , لمخاطر التقسيم , وعدم الحاجة لإراقة الدماء وتدمير المرافئ والمصانع والبنى التحتية, من أجل التأكيد على ضرورة وأهمية مبدأ الصين الواحدة.
وتبقى تقديرات القيادة الصينية, ومعلوماتها الاستخبارية , وما اكتشفته من خفايا المخطط الأمريكي, هي الأساس لبناء القرار الصيني سلماً أو حرباً, وعليها الاستفادة من تشابه الحرب الأمريكية على روسيا من البوابة الأوكرانية , لشن الحرب على الصين من البوابة التايوانية.