طقس للشبهات
“دعوا الحظَّ فرمالهِ متحركة
اتركوا الجوائز فمالها مؤدلج”
ذلك ما تنصح به الشاعرة فاديا الخشن شعراً، في رؤيتها للجوائز، ولاسيما الجوائز التي تُمنح للمبدعين من كتّابٍ وشعراء، وغير ذلك.
والحقيقة أنه نادراً ما تنجو جائزة أدبية من تهمةٍ أو شبهةٍ ما، والحقيقةُ الأكيدة أيضاً؛ أن أكثر من إشارة تضعُ تلك الجوائز في دائرةِ الشبهة، منها مثلاً؛ التمويل الذي يقفُ وراءَ منحِ الجائزة، الأمر الذي يزيدُ من تفعيل البواعث المختلفة للجائزة. وما يتبعُ ذلك من رضوخٍ لتلك الهيمنة ومزاجها، ومن ثم لي عنق الإبداع ليلائم المزاجية التي يمولها رأس المال سابق الذكر.
وليست الهيمنة والبواعث المختلفة وحدها التي تضعُ تلك الجوائز في مهبِّ الشبهة، بل ذائقة القائمين على الجائزة تحكيماً وتمويلاً، الأمر الذي يفرضُ تنميطاً للثقافة، وتشجيع ذائقةٍ ثقافيةٍ على حساب أخرى، إن لم يصل الأمر إلى إلغاء بعض الأشكال الإبداعية باعتبارها “مُحرمة” من التداول عند هؤلاء القوم، والأمثلة أكثر من أن تُحصى في هذا المجال. وهو الأمر الذي يفرض على الإبداع أن يأتي بقرار، وهو الأشبه بالتجارة والعرض والطلب على شكل ورواج نوع إبداعي وثقافي على آخر، وهو ما يتنافى مع الإبداع الذي يأتي عفو حساسية ثقافية وإبداعية مُعينة وليس على شكل نتاج المكننة الآلية.
من هنا نفهمُ كل هذا اللغط الهائل الذي يتفجر بعد إعلان نتائج المسابقات الإبداعية تصلُ لمستوى ينحدر جداً صوب الإسفاف.. هنا في هذا الطقس المُفعم بالشبهات؛ تتعددُ أساليب المساومات، وتكثرُ الأسئلةُ، حتى باتَ الرأي الذي يسود دائماً هو “أنها طقس احتفالي للشبهات”. وسيبقى كذلك حتى يتم تشكيل لجان تحكيم فوق هذه الشبهات، وهذا أمر يبدو فيه “استحالة”، أن يتم تشكيل لجان تأخذ بعين الإبداع كل النتاجات الثقافية بعيداً عما سُميّ بالأجيال وصراعها، وأن تُشكل لجان تحكيم لا تُراعي مسألة شيوخ وشبان، وألّا تُفضّل الأسماء المُكرسة فقط لأنها مُكرسة، ولديها الكثير من الحظوة والنفوذ، وألّا تُراعي كذلك مسألة “المُحاصصة” البغيضة، وبكل تلك “المحاصصات” التي تتنوع اليوم وتأخذ أشكالاً مختلفة، تلك التي ابتليت بها هذه الأمة على حين قهرٍ وجهل.
هل نتحدث في المستحيل إذاً؟ -ربما- وهذا هو الأمر المُحزن حدَّ الخيبة والخذلان.
هامش:
لا أزالُ
على عادتي المزمنة؛
التّدرب على حفظِ النهارات
منذُ مطلعِ الفجرِ،
وحتى آخر الزحام.