الولايات المتحدة تسعى لتشكيل ناتو آسيوي
د. رحيم هادي الشمخي:
الأحداث الجارية في منطقة القرم بين روسيا وأوكرانيا مازالت تنم عن مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، ففي وسط مخاوف من أول اختبار نووي كوري ، منذ سنوات، اتهمت كوريا الديمقراطية، الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف عسكري في آسيا، مؤكدة أن الهدف الأمريكي الراسخ للإطاحة بالنظام الديمقراطي الأمر الذي تطلب تطوير الدفاعات الكورية لحماية أمنها الوطني والقومي من هجمات يشنها حلف شمال الأطلسي عليها.
والمتتبع للأحداث في المنطقة يتذكر بوضوح أهداف الزيارة التي قام بها مؤخراً الرئيس الأمريكي (جو بايدن) إلى كوريا الجنوبية واتفاقه مع نظيره الكوري الجنوبي (يون سوك بول) بنشر مزيد من الأسلحة الأمريكية إذا لزم الأمر لردع (بيونغ يانغ)، ما حدا بالأخيرة، إلى إصدار بيان على موقعها الإلكتروني قالت فيه: «هذا يثبت نفاق الخطاب الأمريكي عن العمل الدبلوماسي والحوار من دون شروط مسبقة)، واستطاعت بيونغ يانغ أن تفضح النيات الأمريكية الخبيثة في المنطقة بقيامها بإجراء تدريبات سافرة في الوقت الحاضر مع اليابان وكوريا الجنوبية وتتحرك الولايات المتحدة بشكل كامل تشكيل تحالف على غرار حلف شمال الأطلسي في آسيا ورسم خريطة جديدة على ضوء الأحداث الجارية بين روسيا وأوكرانيا بإقامة تحالفات من شأنها الوقوف ضد روسيا التي مازالت تطالب بحقوقها المشروعة التي سُلبت منها خلال تفكيك الاتحاد السوفييتي السابق من قبل الإمبريالية الأمريكية.
لقد رسمت بيونغ يانغ خريطة لتطور قواتها المسلحة وزادت من استعداداتها الجوية والبحرية والبرية لمواجهة الأخطار المحدقة بها من قبل الأحلاف الجدد في المنطقة والتي تروم إلى محاصرة التحالف الروسي- الكوري والصيني، وكبح القوى الجديدة التي ظهرت على مسرح الأحداث.
ومن هنا فقد ركزت كوريا الديمقراطية على حقيقة الشعور بالحاجة إلى بذل قصارى الجهود لتطوير قوة أكبر تكون قادرة على التصدي لكل أنواع أعمال الولايات المتحدة العدوانية، ويأتي اتهام (بيونغ يانغ) للولايات المتحدة الأمريكية قبل يوم من سفر (بول) لحضور قمة لحلف شمال الأطلسي في أسبانيا، وهو أول زعيم كوري جنوبي يقوم بذلك، حيث بحث مع بايدن ورئيس وزراء اليابان في قمة ثلاثية ظروف الأمن القومي.
والجدير ذكره أن رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز قد حذّر من التعاون المتنامي بين روسيا والصين، فهو يحمل أهمية استراتيجية كبيرة لجميع دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ نظراً للتنافس (الجيوسياسي) القائم هناك اليوم، وعلى ضوء ذلك يرى المحللون أن قمة قادة الأطلسي التي عقدت في أسبانيا مؤخراً على مدار 3 أيام وبمشاركة 4 دول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي (أستراليا- نيوزلندا- كوريا الجنوبية- اليابان) تأتي في وقت حرج لجميع ديمقراطيات العالم. ويتضح من مجمل الأحداث المحدقة بالمنطقة الساخنة بين روسيا وأوكرانيا أن واشنطن غير مهتمة بإنهاء الحرب بين الدولتين دبلوماسياً وأن الولايات المتحدة دفعت بسياسات تجاه أوكرانيا عدّها الرئيس الروسي بوتين تهديداً وجودياً، وأن إدارة بايدن لم يكن لديها أي استعداد لإنهاء هذا التهديد بالطرق الدبلوماسية وإعادة التزامها عام 2021 بضم أوكرانيا إلى «ناتو» فردّ بوتين على ذلك بإرجاع الحقوق المسلوبة بالقوة، وبذلك أفشل بوتين خطط أمريكا وحلفائها الغربيين بهزيمة روسيا باستخدام العقوبات ضدها، وهو ما يعني أن الحرب قد تستمر سنوات، وأن احتمالات التصعيد تنطوي على أن ينجرّ حلف «ناتو» إلى القتال وحتى إن تم استخدام الأسلحة النووية.
وأخيراً فإن الحرب الروسية- الأوكرانية ستؤدي في النهاية إلى تصدعات عميقة تحت السطح في الغرب، وإلى تدهور العلاقات بين دول أوروبا الشرقية والغربية، ولن تنجح أمريكا في تحالفاتها الجديدة في آسيا ولا في أوروبا، رغم قيامها بالدور الرئيس لقيادة (كييف) إلى الدمار، وسنرى كيف سيحاكم التاريخ الولايات المتحدة الأمريكية على سياساتها الحمقاء.
أكاديمي وكاتب عراقي