رابطة آسيان بين المطرقة الغربية والسندان الشرقي!
تعد رابطة دول جنوب شرق آسيا ( آسيان ASEAN) التي تأسست بتاريخ 8/8/1967 في العاصمة التايلاندية ( بانكوك ) وتضم الرابطة حاليا /10/ دول هي [تايلاند – بروناي – كمبوديا – إندونيسيا – لاوس – ماليزيا – ميانمار – الفلبين – سنغافورة – فيتنام] وعدد سكانها بحدود /650/ مليون نسمة ومساحتها /4،5/ ملايين كم2، ذات موقع جيوسياسي مهم جدا يعطيها أهمية من الناحية الجيوسياسية ، وتزداد أهميتها مع ارتفاع مستوى التنافسية الغربية الناتوية مع روسيا والصين ، وتشرف دول الرابطة على المحيطين ( الهندي والهادي ) اللذين يحيطان بكل من ( روسيا والصين )، ومن هنا نتفهم أهميتها للسياسة الأمريكية ودعوة الرئيس الأمريكي ( جو بايدن ) للاجتماع مع قادة آسيان في العاصمة نيويورك في منتصف شهر أيار سنة /2022/ أي قبل اجتماع قمة آسيان القادم في منتصف الشهر العاشر من سنة /2022/ في العاصمة الإندونيسية ( جاكرتا )، ومن هنا نرى أن الاجتماع ليس بريئا أو عفويا وهو الإجتماع الأول في أمريكا بعد اجتماع سنة /2016/ ، فالاجتماع جاء بتوقيت العالم فيه على صفيح ساخن، حيث يتمدد حلف الناتو ” NATo” شرقا ليضم أوكرانيا والسويد وفنلندا وغيرها ، وردت روسيا بدفاعها عن أمنها بموجب العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا بتاريخ 24/2/2022 ، وأيضا قبل زيارة ( نانسي بيلوسي ) رئيسة الكونغرس الأمريكي في بداية الشهر الحالي إلى جزيرة ( تايوان ) وهي جزء من الصين الواحدة الموحدة ، فهل ستشهد القمة القادمة لرابطة آسيان خلافا بين دولها وتعلن رفضها الانحياز للمخططات الأمريكية؟
ومن خلال متابعتنا لتوجهات قادة دول الرابطة وجدنا أن القمة الأمريكية مع قادة دول الرابطة التسع، حيث تغيبت ( بورما ) عن الحضور بسبب العقوبات الأمريكية عليها، سيكون مصيرها الفشل بل الفشل الذريع ، ويتجلى لهذا من خلال المؤشرات التي نذكر بعضا منها على سبيل المثال وليس الحصر وبلغة الأرقام: [ إن دول آسيان مرتبطة بالاقتصاد الصيني بشكل كبير أكثر من ارتباطها بالاقتصاد الأمريكي فقد وصل حجم تجارتها مع الصين لسنة /2021/ إلى حدود /700/ مليار دولار مقابل /360/ مليار دولار مع الولايات المتحدة ، كما أن أغلب دول آسيان لا تثق بوعود الرئيس الأمريكي ونائبته ( كمالا هاريس ) بتطوير العلاقة مع آسيان إلى العلاقة الاستراتيجية ولمدة /50/ سنة ومواجهة مشروع الصين الاقتصادي العملاق ( الحزام والطريق ) وإقامة منطقة حرة … إلخ ، وأكد الكثير من قادة آسيان على تعزيز علاقتهم مع الصين وروسيا التي تتعزز يوما بعد يوم ، وبعضهم استغرب وتهكم من الوعود الأمريكية بتقديم دفعة نقدية بقيمة /150/ مليون دولار لحماية البحار لكن خصص منها /60/ مليون دولار لتنفيذ البرامج البحرية من هيئة خفر السواحل الأمريكية أي بنسبة /40% / منها ستعود لأمريكا ، ومعروف أن دول آسيان رفضت الموافقة على القرار الأمريكي بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بل قررت دعوة الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين ) لحضور القمة القادمة في إندونيسيا .
أما من ناحية الصين فإنها وعدت بتقديم /1500/ مليون دولار أي /10/ أضعاف ما قدمته أمريكا على شكل مساعدات إنمائية لدول منطقة آسيان لإقامة مشروعات على قاعدة ( رابح – رابح ) وليس لفرض هيمنتها ، كما أثبتت روسيا أيضا تجاوزها للعقوبات والحصار الاقتصادي المفروض عليها من الدول الغربية، كما تعرف دول الرابطة أن الاقتصاد الغربي بشكل عام بدأ يدخل في مرحلة الركود والركود التضخمي أيضا ، ولذلك تسعى أمريكا إلى خلق بؤر توتر عالمية لتسويق أسلحتها، بينما تسعى كل من روسيا والصين إلى تطوير اقتصادهما ( الإنتاجي ) وقد أقامت الصين أكبر تكتل اقتصادي تجاري في العالم يغطي أكثر من /35%/ من الاقتصاد العالمي ويضم/15/ دولة هي [ الصين ودول آسيان وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا ] ولا يضم التكتل الولايات المتحدة.
من جهة أخرى أعربت كل من (إندونيسيا وماليزيا ) وهما من الدول المهمة في رابطة آسيان عن موقفهما الرافض للتحالفات الأمريكية مثل تحالف ( أوكوس ) بين ( أمريكا وبريطانيا وأستراليا ) والاتفاق الأمني الرباعي بين ( أمريكا واليابان وأستراليا والهند)، وأن هذين الحلفين يشكلان تهديدا أمنيا لدول آسيان بأكملها وسيقوضان الأمن فيها، كما يشكلان خطرا كبيرا على دول رابطة آسيان .
كل هذه الأمور تدفعنا للقول إن كل الجهود الأمريكية لجذب دول رابطة آسيان إلى حلفها ستبوء بالفشل وأن دول آسيان ستختار توجهها السياسي بما يتناسب مع مصالحها الاقتصادية ، وأن خريطة القوى الاقتصادية العالمية تتغير ولم يعد ( الغرب ) مركز العالم وليس ( الدولار واليورو ) عملة العملات، وأن العجرفة الأمريكية – الأوروبية ولّت، والعالم ينتظر بزوغ شمس الشرق، وأن أكثر من /50%/ من معدل النمو العالمي يتولد في الدول الآسيوية وليس الدول الناتوية!.