الدراما كجريدة يومية نسيت هدفها الترفيهي
سامر الشغري:
الدراما التلفزيونية اختراع جاءنا من الغرب كأغلب الفنون البصرية الحديثة، وكان مسقط رأس هذا الفن الجديد بلاد الأمريكان تحديداً، الذين قدموا أول أعمالهم في هذا المضمار منذ ثلاثينيات القرن الماضي على أثير الإذاعة أولاً ثم على الشاشات الفضية.
وحسب الأدبيات الغربية التي نظرّت لهذا الفن؛ فإن الدراما نوع أدبي ينتمي إلى فئة “narrative fiction” وترجمتها الخيال السردي، أما المسلسل التلفزيوني الطويل الذي أطلق عليه منظرو الدراما اسماً غريباً هو (أوبرا الصابون) لأن مشاهده كانت تقاطع بإعلانات الصابون والمنظفات، وكان عنصر الميلودراما هو أحد أهم سماته، والذي يتميز بدوره بالمبالغة في كل شيء من الأحداث ورسم الشخصيات وبالحوار أيضاً.
إن الدراما فن انشقَّ عن السينما وعن المسرح في آنٍ واحد، فالخشبة هي الشاشة التي يطلُّ منها الممثلون على الناس، وأصبح المصطلح الأكثر تداولاً للدراما هو sires، لتربط هذا الفن بالحكاية وليكون دوره الأول ووظيفته الرئيسة هو الترفيه.
ولكن درامانا ابتعدت شيئاً فشيئاً عن هذا النمط، وفارقت الحكاية على ما فيها من مبالغات، كما رأيناها في مسلسلات دريد ونهاد وأيام شامية والفصول الأربعة وباب الحارة، وذهبت إلى واقعية مفرطة، وقدمت انعكاساً شديداً لأحداث يراها الناس في حياتهم كل يوم، ولكنها ستبدو غريبة عن أناس سيأتون في زمنٍ قادم.
واللافت أن دراما الحكاية تبقى حية في وجدان الناس، فلا يملون مشاهدتها، كما لا يمل الأطفال سماع قصة (ليلى والذئب) رغم أنهم يعرفون أن الذئب سيلتهم جدة ليلى ويتنكر في سريرها.
تحول عمل الدراما لدينا إلى تصوير واقعي بحت لقضايا المجتمع، ولعبت الدراما دوراً جديراً كانت تلعبه الصحافة والمجلات ذات الطبيعة الناقدة، فأصبحوا يستنسخون الأحداث اليومية والشخوص بدلاً من خلق واقعٍ كلي برمته مع ناسه وأحواله، وربما كان هذا الخيار الأسهل، ولكنه ليس الأجمل.
لقد ذهب كتّاب الدراما لدينا بعيداً في محاكاة تجربة محمد الماغوط المسرحية مع دريد لحام، ولكن هذا الكاتب الساخر اعتمد المحاكاة والرمزية والإسقاط، وقدم الواقع بصورةٍ حكائية، وليس بصورة مباشرة وفجة كما يفعل كتّاب الدراما اليوم.
إن أعمالاً مثل (لعنة الطين- عناية مشددة- دقيقة صمت- شوق- كسر عضم- ومع وقف التنفيذ)، أعمال مبهرة على المستوى الفني ولكن لم يكتب لها الخلود، وبعد أن حظيت بنسب عالية عند عرضها للمرة الأولى، فقدت جلَّ جمهورها فكانت كالأغنية المعاصرة تضرب عند بثها ثم تنسى وكأنها لم تكن.
اعتقد أنه من الأجدر على كتّابنا العودة إلى جذور الدراما ووظيفتها الأهم التي ظهرت لأجلها، الترفيه عن الناس وتسليتهم، لا تذكيرهم بهمومهم ومشاكلهم وإحباطاتهم وواقعهم، وبذلك سيظل العمل الدرامي خالداً لأنه قائم على الحكاية، والحكاية إبداع فني لا يموت، نحكيها لأبنائنا وأحفادنا كما سمعناها من جداتنا وجدودنا، وعندما تتحول الدراما إلى ما يشبه المادة الصحفية اليومية، سرعان ما تصبح مادة رتيبة ولن تهم جمهور الغد.