“الفن ولغة الجسد” في اتحاد الفنانين التشكيليين بطرطوس
ثناء عليان:
(الفن ولغة الجسد) وسيلتان للتعبير؛ فالفن بشكل عام، والفن التشكيلي بشكلٍ خاص، ارتبط في إنتاجه التشخيصي بلغة الجسد، سواء من خلال موضوع الإنسان، أو من خلال مواضيع مختلفة، هذا ما بدأ به الفنان التشكيلي والباحث لؤي آدم محاضرته التي ألقاها في صالة المعارض باتحاد الفنانين التشكيليين في طرطوس تحت عنوان “الفن ولغة الجسد”، مؤكداً أن الفن ليس مجرد لوحات ومنحوتات وموسيقا وغناء ورقص وتمثيل وحركة، بل هو في حقيقته طاقة كامنة لابد لها من مغادرة كهف العقل نحو الخارج..
وبيّن أن لغة الجسد وسيلة تعبير مزدوجة: انفعالية وغير انفعالية مشيراً إلى بعض المراجع التي تناولت لغة الجسد، وربما كان أكثر الأعمال تأثيراً قبل القرن العشرين هو كتاب تشارلز داروين “التعبير عن المشاعر لدى الإنسان والحيوان”، والذي نشر في عام 1872م ولكن هذا الكتاب كان موجهاً للأكاديميين في الأساس، وقد سجل الباحثون ما يقرب من مليون إشارة ودلالة غير لفظية!
وعن التأثير اللفظي وغير اللفظي لفت آدم إلى أن “ألبرت ميهرابيان” وهو باحث رائد في مجال لغة الجسد في الخمسينيات من القرن الماضي، قد وجد أن التأثير الكلّي للرسالة يتحقق من خلال: الشق اللفظي بنسبة 7% (الكلمات فقط)، والشق الصوتي بنسبة 38% (متضمناً نبرة الصوت وتغيير مقامه وغير ذلك من الأصوات)، والشق غير اللفظي بنسبة 55% (وهو لغة الجسد).
وأشار إلى أن “راي بيردوستل” وهو عالم أنثروبولوجي، رائد الدراسة الأصلية للتواصل غير اللفظي، قدّر أن الشخص العادي يتحدث بالكلمات لحوالي عشر أو إحدى عشرة دقيقة في اليوم، وأن الجملة العادية تستغرق فقط حوالي 2,5 ثانية، وذكر أيضاً أنه يمكننا إصدار والتعرف إلى ما يقرب من 250000 تعبير بالوجه.
وتتوزع الفنون –حسب آدم- إلى خمسة أنواع هي: المعرفية، والتعبيرية، والتشكيلية، والتقنية، والمهنية اليدوية التطبيقية حيث قدم شرحاً لكل نوع من هذه الفنون.
وعن لغة الجسد في الأدب؛ يذكر آدم أنها تختلف كلياً عن جميع أنواع الفنون لأن الأسلوب يقتصر على الكلمة.. في الشعر: يقول الشاعر محمد الماغوط في إحدى قصائده:
(كليلةٍ على صدر أنثى
أنت يا وطني)!
ونرى هنا كيف يوظّف الشاعر لغة الجسد للتعبير عن حميمية علاقته بوطنه.. وفي الرواية يتجلى الأدب الأيروتيكي، بكل أريحية في فن الرواية، وهو نمط أدبي يتناول مواضيع الجنس والجسد.. ومن الكتّاب الذين كتبوا في هذا المجال: الروائي الإيطالي “ألبرتو مورافيا” في روايته: “أنا وهو” على سبيل المثال، وكذلك الروائي “ماريو بارغاس يوسا” في معظم أعماله، وخاصةً روايته: “مديح الخالة”.. ومن كتابنا السوريين تناول هذا الأسلوب الروائي الراحل “حنا مينه” في معظم أعماله كـ(الياطر أو الربيع والخريف والثلج يأتي من النافذة وشرف قاطع طريق)، ومن الأدباء العرب: أحلام مستغانمي في ثلاثيتها: (ذاكرة الجسد- فوضى الحواس– عابر سرير) حيث نلاحظ في تلك العناوين ارتباط لغة الجسد.
أما الفن التشكيلي؛ فهو الفن الأوّل في تاريخ الفنون، والدليل موجود من خلال الرسوم التي تركها الإنسان الحجري على الكهوف.. فهو الفن الذي حمل على عاتقه وسيلة التعبير الأولى لدى البشر، لافتاً إلى أن معظم الأطفال يرسمون أفكارهم وخيالاتهم، كما أن معظم الفنانين برعوا في تناول موضوع “لغة الجسد” المثير للاهتمام -عبر تاريخ الفن- ولعل أبرزهم الفنان الهولندي “غويا” ولوحاته السوداء.. ولوحات (دافيد وآنجر وديلاكروا وسيسلي وسيزان وتيتيان ورينوار وفان كوخ، وكلود مونيه، وفريدا كالو) ومن الفنانين السوريين: لؤي كيالي، وخزيمة علواني، ونذير نبعة، وعمر حمدي “مالفا”..
وفيما يخص التعبير عن المرأة أشار المحاضر إلى أن “أوجين ديلاكروا” عبّر عن المرأة بلوحات عارية مثل “الحمام التركي”؛ بينما عبّرت إحدى الفنانات من الخليج العربي عن المرأة بأسلوب مختلف تماماً من خلال رسمها لنساء محتشمات.. ثم قيامها بإطلاق العيارات النارية من بندقيتها باتجاه أجساد النساء لتحدث ثقوباً في أنحاء اللوحة!
ويختتم لؤي آدم محاضرته مؤكداً أن الموضوع الواحد له لغات عديدة للتعبير عنه، وتتعدد وفقاً لأعداد المعبّرين، فبعد أن عبّر معظم الفنانين عن الإنسان وحياته وأحلامه ومعاناته وهواجسه وطبيعته النفسية عبر أعمال استخدمت لغة جسد ووجه الإنسان، أيضاً حاولوا الانطلاق نحو آفاق جديدة مثل التعبير من خلال مواضيع تتناول الحيوانات والطيور والأشجار والنبات والصخور والغيوم والماء والنجوم.. الخ، ولو تأملنا قليلاً روح العصر وذوقه؛ لرأينا، على سبيل المثال، أن الموسيقا القديمة في طور الاندثار، وأن لوحات القرنين السادس عشر والسابع عشر فقدت منذ أمد بعيد جمالها الأصلي، والسبب الرئيس لسرعة زوال المؤلفات الفنية في رأيه ليس كامناً فيها، بل في تأثير ذوق العصر..