عن “الثعبان” الصغير في قصر العظم 

ربما لن يرى البعض في سقوط “ثعبانٍ” صغير على رؤوس زوّار قصر العظم في دمشق القديمة، خبراً يستحق التوقف عنده، لأن الأبنية التي يتجاوز عمرها في تلك المنطقة مئات السنين، تضم مساحاتٍ واسعة تكثر فيها الأشجار وبرك المياه، ما يعني تفاوتاً في درجات الحرارة والرطوبة بالمقارنة مع الغرف ذات الأسقف العالية والمُوزّعة أحياناً على طابقين، لذا ربما يبدو مفهوماً تواجد الثعابين فيها، كذلك يُمكن لنا أن نبرر حرص العاملين هناك على عدم قتل “الفرخ” حتى لا تخرج أمه للبحث عنه كما تقول عامة الناس في هذا الأمر، لكن لا نستطيع القول إن موقفاً كهذا كان لِيمر لو كان الزوّار سياحاً أجانب مثلاً، وهؤلاء كانوا يقصدون القصر “سابقاً” من مُختلف دول العالم.

غير بعيدٍ عن الثعابين التي نرجو ألّا يدفعها الجو الحار هذه الأيام للخروج من مخابئها، وتحويل زيارة العائلات التي لا تسمح لها ظروف المعيشة بالسياحة خارج المدينة، إلى ذكرى غير جميلة، استحال السجاد في أرضية الغرف، إلى ما يشبه القماش المهترئ من طول الاستخدام، علماً أن بعضه مصنوعٌ من أليافٍ وموادٍ نادرة، لا نعلم الكثير عن إمكانية إصلاحه أو تنظيفه بطرقٍ خاصة للحفاظ عليه بشكلٍ أفضل، لكن الاستسلام إلى فعل الزمن فيه، يعني استحالة عرضه خلال السنوات القادمة حُكماً، وهو ما ينطبق أيضاً على مجموعة الفضيات وأطقم الصدف الوهاج وغيرها من قطع الأثاث المصنوع من خشب الجوز المزخرف بالأرابيسك، معظمها باهت، ينقصها الرونق والجاذبية والروح التي تجعل زيارتها متعةً تستوجب الإعادة، ولا نأتي بجديد في التذكير بأن القصر بناءٌ مذهلٌ في أدق تفاصيله.

للأسف، شهدت دمشق القديمة خساراتٍ بالجملة في الأعوام الماضية، حرائقٌ اندلعت في عدة أسواقٍ كانت نتائجها كارثية، وانهياراتٌ أصابت السور الأثري وعدداً من الأبنية القريبة منه، إلى جانب حفرياتٍ وتنقيبٍ غير مشروع عن الآثار تحت بعض البيوت، ولا يمر أسبوع من دون خبرٍ عن حريق بسبب ماسٍ كهربائي أو “سخانة”، عدا عن عشرات العائلات المُستأجرة في بيوتٍ تحتاج ترميماً سريعاً، والمُهدَدة بالموت تحت أنقاض جدران وأسقف اللبن والطين والخشب المهترئة، وكل ما نأمله نجاة قصر العظم وغيره من المعالم الأثرية الدمشقية القليلة المُتبقية من الإهمال والعبث اللذين طالا كل شيءٍ حولنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار