أدباء وأضواء!
يتوهم من يبدأ الاحتكاك بالأدباء أنهم جميعاً يشبهون بعضهم بعضاً في كل شيء، لكن بعد فترة من الزمن ستتكشف لهم نماذج عدة من حيث الشخصيات والسلوك. لكن أبرز تلك النماذج، المليءٌ بإبداعه وإنسانيته يتحدث من دون ادّعاء أنه يلقنك درساً في الأدب، وما إن تعود للتأمل فيما قاله حتى تكتشف عمق كلامه وفائدته.
أمّا النموذج الثاني فهم الذين يحسنون الحديث فقط حول تجاربهم وذاتهم المنتفخة ولذلك لا يقدمون غير الوعظ الفارغ على غرار كل من يتقنه، وعدّ نفسه من الأوائل في مجالهم الأدبي، رغم أنه لم ينجز ما يستحق التقدير.
والمدقق في النتاج الإبداعي لأغلب النموذج الأول من الأدباء سيجده وافراً بالعمق والجِدَةَ والابتكار والمتعة، كما أنهم يعملون بصمت، من دون ضجيج إعلامي، وإن عُقِدت صداقة بينه وبين صحفي، أو لم تُعقد، فهو لا يمتنع عن التعاون معه لتسليط الضوء على إنجازه الجديد حالما يرى النور.. وهو عفيف النفس لا يطلب حواراً صحفياً حول تجربته أو مشاركة له في هذه الندوة أو في هذا المهرجان أو ذاك المؤتمر الأدبي الذي يخص الجنس الأدبي والذي يبدع فيه، كما أن أغلبهم لا يطلب أي فرصة لإلقاء محاضرة أو إحياء أمسية، في حين تجد أصحاب النموذج غير المليء يطالبون دائماً بالمشاركة في أمسيات لقراءة قصصهم أو أشعارهم أو تقديم ما يتوهمون من محاضرات ليست ذات مستوى إبداعي، وهي اقتباسات أو سرقات من جهد الآخرين، من تلك التي باتت مبذولة على شبكة الإنترنت، ولا يفتؤون يطالبون بتقديمها على المنابر الحكومية وغير الحكومية. بل إن بعضهم يحاول تقديم خدمات لهذا الصحفي أو ذاك، من أجل تسليط الضوء عليه دائماً.
وتحضرني في هذا الخصوص قصة متداولة عن قاص أعطى بيته مجاناً لصحفي يكتب من خارج الملاك في هذه الصحيفة أو تلك، وقد ارتكب هذا الصحفي حماقة فصرّح أنه يدفع بدل إيجار لذلك البيت، فما إن وصل الكلام للقاص حتى طرد الصحفي من البيت، فانطفأت الأضواء عن القاص الذي يحاول استعادتها بطرق أخرى من دون أي فائدة، ولم ينبهه أحد إلى ضرورة الاهتمام بنتاجه الأدبي الذي به فقط تُستقطب الأضواء!.