إيقاع الحياة إحياء للذاكرة واحتفاء برموز الماضي
بارعة جمعة:
إحياء للذائقة البصرية وترميم لذكريات كادت أن تنسى، لعله أحد أشكال العودة بالإنسان إلى ماضيه، حيث للمكان بهجته وللأشخاص حضورهم القوي بكلمات وألحان طفولية، رسمت على شفاه من عاشها ابتسامات لا عودة لها، لعل ما يعيشه أبطال هذا العمل الفني هو أحد أنواع الصراع بين ماضٍ عريق وحاضر لا يمكن تجاهله، إلا أن لذاكرة المكان محاذيرها الأدبية والفكرية التي مثلت حقبة من المبدعين لا يمكن لأحد إلا الوقوف أمامها والأخذ بها إلى ذاكرة الجيل الحديث.
إبداع متنقل
ولتوظيف الفن بأسلوب الحضارة التي ترافقت مع ثقافة نشر الجمال في كل مكان تمر به هو عنوان هذا الاتجاه الإبداعي، الذي مثّل مجموعة فنية من اللوحات المصنوعة بشغف المهنة وحب الحياة، حرفية عالية وحس راقٍ تخطت حدود البلاد، حرية الفكر والإحساس واللون والخط كانت أبرز سمات هذا العمل، حاملاً معه كل مفردات الجمال إلى الشارع الذي كان من أكثر الحاضنين له والمؤيدين لاستمراريته.
واليوم مع بلوغ العمل أوجه، والذي تمثل باتجاه الفنان موفق مخول وكل من التحق بمسيرة العمل به من محبيه، تتمايز أمامنا هذه الأشكال الفنية التي عملت على إحياء البشر والحجر، بشخوص وأسماء لها من القدم أصل في التربية والتعليم، للقضاء على مظاهر العنف والحرب التي لازمت الشارع لفترات طويلة، فكانت مهمة نشر ثقافة الفن البوصلة الوحيدة أمام مخول، لإمتاع النظر والدخول إلى أعماق الإنسان وإحيائه من جديد.
نمط مختلف
تتجلى عراقة وأصالة هذا الفن بقدرته على مقاومة كل متغيرات المكان والزمان، فاللجوء لاستخدام مواد الأسمنت في تجسيد الرسوم والأشكال واعتماد المنحوتات الحجرية في تمثيل رموز التعليم كان مقصوداً من قبل مخول، لضمان استمراريته لفترة أطول، ومن ثم الخروج بعمل فني ذي قيمة وميزة خاصة تختلف عن فنون التشكيل التي لازمت أروقة المعارض لفترات طويلة، كما لحضور الفن التجريدي ضمن باقة أعمال مخول الدور الأكبر في أخذ مساحة من الحرية في التعبير، بالإضافة لاعتماده مبدأ اللغز والحوار مع اللوحة نفسها، لإثارة فضول المشاهد ودفعه للتفكير بما يراه أمامه.
ومن دون أدنى شك كان لموفق مخول دوره الأساسي في رفد الحركة الفنية التشكيلية في سورية بنمط مميز حمل سمة العمل الجماعي، فالفريق الذي لازم إنجاز الجداريات عكس روح الألفة والتعاون والإبداع المشترك بين ثنايا اللوحات، إلا أن ترافق عملية تزيين الأعمال ببقايا المواد المنزلية من البلاستيك والزجاج هي الأكثر إثارة لدى المشاهد وكل من عايش مراحل عملية النحت والرسم لهذه الأعمال.
غير مألوف
وكغيرها من التجارب التي لاقت ردود أفعال متنوعة، كانت لتجربة الفنان التشكيلي موفق مخول مع فريق “إيقاع الحياة” التي وصفت بالخطوة الجريئة لدى البعض موجة من النقد والهجوم أحياناً، فالاعتياد على نموذج معين من التقييم والاحتواء من شريحة معينة، حكم على أي تجربة جديدة بعدم القبول والرفض لها أحياناً، وذلك انطلاقاً من التعلق بصور وشخصيات محددة في أذهانهم، كانت الأكثر تأثيراً من أي محاولة للتجديد أو التحديث في الفكرة والتطبيق، والأكثر غرابة في طرق تناول الجمهور لهذا الطرح الجديد، اعتباره تشويهاً للتاريخ والحضارة التي كانت عنوان هذا العمل الموجه لجمهوره على وجه الخصوص ومخاطباً أصحاب المكان من عمق ثقافتهم وتعاطيهم مع الحياة، وبمختلف الاتجاهات.
فنحن مسؤولون عن ترميم المشاعر الإنسانية وتصوير الجمال في ظل بشاعة الحرب برأي مخول الذي استطاع توظيف فن “الغرافيتي” ذي الجذور الأوروبية ومن ثم عرضه على جمهوره، فكان مشهد الناس ممن التقطوا صوراً تذكارية بجانب الأعمال خير شاهد ودليل على انحيازهم للفن وتمسكهم بالجمال، وبالتالي نجاح تجربته.