أصدقاء التراث السوري في العالم.. لم يتخلوا عنه
سناء هاشم:
عندما نستذكر بعض الشخصيات العالمية التي فهمت ما يجري في سورية خلال سنوات الحرب الأخيرة على تاريخها وحاضرها وشعبها ودولتها. هؤلاء لم يكونوا من القلائل، بل كثيرون في تعدادهم، تزدحم سطور الصحف بأسمائهم على مختلف جنسياتهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية أو الإيديولوجية وحتى السياسية، ومع ذلك وحّدهم التراث السوري الغني الغارق في القدم، على كلمة وصوت واحد يتمثل في عبارة مختصرة وهي “أنقذوا التراث السوري واعملوا على المساعدة في ترميمه والحفاظ على ما تبقى منه”.
وبذلك جسّد العديد منهم هذه المقولة بالقول والفعل، ولم يغادروا سورية إلى غير رجعة، وإنما داوموا على زيارتها والإقامة فيها ومتابعة تسخير كل ما يمتلكونه من معرفة وخبرة آثارية عريقة، من أجل الحفاظ على سورية التاريخ والحضارة والآثار.
في هذا المقال نستكمل ما قمنا بنشره سابقاً والحديث عن علماء الآثار الأجانب في حقول التنقيب السورية والجهود التي يبذلونها في سبيل إنقاذ التراث السوري وإعادة ترميمه..
كاي كولماير.. حضور دائم في حلب
كانت للعالم الألماني “كاي كولماير” بصمة واضحة على التراث الأثري السوري، إذ قدّم هذا العالم الكثير من الجهود في المؤتمرات والندوات الدولية، واستعرض الكثير مما يتعرض له التراث السوري، مع تأكيده ضرورة تدخّل جميع المنظمات الدولية لحماية هذا التراث.
كما سجّل “كولماير” في لائحة إنجازاته اكتشاف معبد الألف الثالث قبل الميلاد أو “المعبد الآرامي”، فضلاً عن عمله الكبير في “قلعة حلب”، وعلى صعيد التقنيات والخدمات، قدم العديد من الأدوات التي تستخدم في التوثيق وأعمال الرفع الهندسي وأجهزة توثيق القطع الأثرية في متحف حلب.
ودأب “كولماير” على تواجده في سورية خلال فترة الحرب، إذ حضر افتتاح متحف حلب مع اثنين من طلابه، وواظب على زيارة ” المعبد الآرامي” الذي اكتشفه وعمل على إجراء كافة الأعمال اللازمة لحمايته وتوثيقه.
لا توجد أي مبالغة عندما نصف هذا العالم الأثري بأنّه من أهم علماء الآثار الذين بقوا على تواصل مع المديرية العامة للآثار والمتاحف ووقفوا إلى جانبها، ومن الجدير ذكره أيضاً أنّه في الوقت الحالي يقدّم دعماً مهماً في متحف حلب يتجلى في توثيق القطع الأثرية، ومؤخراً كانت له مداخلة مهمة جداً عبر تقنية “سكايب” في معرض “اكسبو دبي- 2022” دعا فيها جميع المنظمات الدولية للتحرك واستئناف عملياتها في سورية والعمل على ترميم مواقع التراث العالمي فيها.
“فرانسيس بينوك”.. وفاء منقطع النظير للتراث السوري
من الوفاء أن نتحدث عن البروفيسورة الإيطالية “فرانسيس بينوك” التي تلازم السيد “باولو ماتيه” منذ سنوات وهي عالمة آثار مهمة تدير الأبحاث وأعمال النشر وهي المشرفة على كافة الأبحاث التي تتعلق بمملكة إيبلا وبكل المكتشفات الأثرية فيها.
والعالمة الأثرية بينوك من العلماء الأوفياء الذين عملوا في حقول التنقيب الأثرية السورية، ولم يتخلوا عنها في محنتها وقد رافقت عالم الآثار باولو ماتييه في كل أعماله وزياراته إلى سورية وكانت لها مداخلات مهمة وهي لا تقل شأناً ولا عشقاً ومحبة وتقديراً للحضارة السورية عن ماتييه.
وقفت بينوك إلى جانب المديرية العامة للآثار والمتاحف ولا تزال تعمل وتتواصل مع خبراء الآثار في سورية، وتشارك في الكثير من الأعمال التي تجري حالياً بالتعاون مع مديرية الآثار وخبراء آثار إيطاليين يعملون في تل فرزت في غوطة دمشق، و تأتي حتى هذا الوقت مع هذا الفريق وعلى رأسهم الشاب البروفيسور “دفيدي ندالي” الذي يعمل أيضاً في سورية، وهو من علماء الآثار الذين يتواصلون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف حتى هذا الوقت.
لا يُمكن نكران وقوف “بينوك” المهم والمؤثّر إلى جانب المديرية العامة للآثار والمتاحف وإلى جانب الآثار السورية للدفاع عنها والتنبيه إلى ما حصل عليها من اعتداءات وأضرار طالتها، وإلى ضرورة أن تقف كل المؤسسات الدولية والأكاديميات صفاً واحداً لدعم التراث الثقافي السوري ضد المعركة الشرسة التي يتعرض لها.