هل ساهمت الدراما العربية في “جنسنة” المرأة واستهداف مكانتها؟
بديع صنيج
إن ألقينا نظرة عامة على مجمل إنتاجات الدراما العربية، لاسيما في السنوات الأخيرة، سنلحظ غلبة الطابع الإعلاني على الإعلامي، إذ باتت المحطات العارضة صاحبة الرأي الأول في مضمون تلك الدرامات، بعيداً عن إبداع نصوص تنسجم مع واقع الشرائح الكبرى في المجتمع، ومعالجة قضاياه الأساسية. ولعل من تبعات هذا التوجه العام بروز نماذج درامية تُهين المرأة، وتُعزِّز تهميش دورها، وتضعها في سوق المشاهدة كسلعة من بين السلع المعروضة، أي إن الكثير من الأعمال عملت على “تشييء” المرأة، نازعة ًمنها مكانتها الموضوعية، وجاعلةً إياها إما فتاة غير أخلاقية ، أو طالبة جامعية سخيفة، أو خائنة متمرِّسة وتخطف أزواج الأخريات، أو أما، دورها في تربية الأسرة كالصفر على اليسار، أو أختا عانسا متغطرسة،.. وكل ذلك ترافق مع الاهتمام بمظهر الشخصيات النسائية الخارجي، بعيداً عن التَّعمُّق في أبعادها النفسية الداخلية، وكشف جوهرها، إذ تتحول المرأة في الدراما العربية، إلى جانب تنميطها السلبي، إلى عارضة أزياء، ومُروِّجة للموضة والسخافة على حدّ سواء، فكثرت مشاهد الإثارة واستخدام الشتائم والألفاظ غير اللائقة، مع تشويه للعلاقات الاجتماعية على أنها أمر طبيعي ومقبول، ما قد يخلق حالة من التعاطف مع خيانة المرأة لزوجها.
ولأن الدراما العربية باتت تعتمد على ما يسمى “الدراما النظيفة شكلاً”، وذلك من خلال تقليد النماذج التركية، حيث البيوت الفخمة، والديكور الفاخر، والمناظر الخلابة، وتجسيد كل ذلك بصور خلابة وزوايا جمالية أخّاذة، إلا أنه في خضم ذلك، تم التعاطي مع المرأة بأنها عنصر رئيس من ذلك الديكور، إذ باتت شيئاً جاذباً، فكما يتم الاهتمام بجماليات الأمكنة، زاد التركيز على مظهرها، مع مطالبات من تحت الطاولة يقوم بها مسؤولو الإنتاج، بالتعاون مع الفريق الإخراجي، بإلباس الممثلات ملابس غير لائقة في كثير من الأحيان، ولو كان ذلك لا يخدم الدراما المطروحة عبر العمل، فمثلاً ما الذي يبرر أن تنام الممثلة بكامل مكياجها؟ أو أن تخرج إلى عملها كأنها ذاهبة إلى حفلة عرس؟ وغير ذلك الكثير، بحيث يمكن القول إن الدراما العربية تخلت عن موضوعيتها في معالجة قضايا المجتمع عموماً، وبات التركيز على صورة غير منطقية، ومختصة بحياة أصحاب الطبقات الثرية بسياراتهم الفارهة وفيلاتهم ومجوهراتهم وفساتين نسائهم، مع تهميش للطبقات الفقيرة والوسطى، وإلغاء لأي قيمة كانت تعالجها الدراما في السابق، وعدم الاهتمام بالأخلاق التي تحكم العلاقات بين الناس، والترويج لفكرة عدم أهمية الترابط الأسري وغير ذلك من الأمور التي تضع المرأة كأحد المسببات لكل ذلك التفكك، وذلك لأنها رضيت أن تكون سلعة، وترضخ لمتطلبات زوجها، أو أنها على الأقل مهتمة بمنافسة قريناتها من المجتمع المخملي في الأزياء والتباهي بالأملاك والهدايا وغير ذلك..
أي إن سيادة المنطق التجاري اللاهث باتت هي المتحكمة بالدراما، وتحوَّل كُتَّاب السيناريو إلى مجرد مُستكتبين وفق إملاءات المحطات العارضة، وأذواق مالكيها، ما ينتج عنه فقر واضح في الأفكار، وعدم توازن في الطرح، إذ نشاهد مبالغة في إظهار جماليات المظهر وقبح الجوهر، وتركيز على نماذج سلبية من دون أن يكون هناك معادل موضوعي لها، ولم يعد الإنسان العادي هو بطل الدراما، بل بات الاستثناء بطلاً، لكنه غير قابل للاستمرار في الحياة، ولا تحريك مشاعر المشاهدين، خاصةً أنه لا غوص في العمق الدرامي المطلوب لمعالجة قضية ما، وإنما طفو على السطح، ولاسيما ما يتعلق بالمرأة، التي باتت مجرد “سقط متاع” درامي ولا حول ولا قوة لها، لكن للأسف أن الممثلات بقبولهن أن يكنّ سلعة درامية، ورضاهن بأن يتحوَّلنَ إلى عارضات أزياء بعيداً عن متطلبات فن الأداء التمثيلي، ساهمن بشكل كبير في ترسيخ هذه المكانة للمرأة التي تطرحها الدراما العربية.